﴿ وَنُفِخَ فِى الصور ﴾ هيَ النفخةُ الثانيةُ ﴿ ذلك ﴾ أيْ وقتُ ذلكَ النفخِ عَلَى حذفِ المضافِ ﴿ يَوْمَ الوعيد ﴾ أيْ يومُ إنجازِ الوعيدِ الواقعِ في الدُّنيا أيْ يومُ وقوعِ الوعيدِ على أنَّه عبارةٌ عن العذابِ الموعودِ وقيلَ ذلكَ إشارةٌ إِلى الزمانِ المفهومِ منْ نُفِخَ فإنَّ الفعلَ كَما يدلُّ عَلى الحدثِ يدلُّ عَلى الزمانِ وتخصيصُ الوعيد بالذكرِ معَ أنَّه يومُ الوعدِ أيضاً لتهويلِه ولذلكَ بدىءَ ببيانِ حالِ الكفرةِ.
﴿ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ منَ النفوسِ البرةِ والفاجرةِ ﴿ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ وإنِ اختلفتْ كيفيةُ السَّوقِ والشهادةِ حسبَ اختلافِ النفوسِ عملاً أيْ مَعها ملكانِ أحدُهما يسوقُها إلى المحشرِ والآخرُ يشهدُ بعملِها أو ملكٌ جامعٌ بينَ الوصفينِ كأنَّه قيلَ معَها ملكٌ يسوقُها ويشهدُ علَيها وقيلَ السائقُ كاتبُ السيئاتِ والشهيدُ كاتبُ الحسناتِ وقيلَ السائقُ نفسُه أو قرينُه والشهيدُ جوارحُه أوْ أعمالُه ومحلُّ مَعَها النصبُ عَلى الحاليِّةِ منْ كُلُّ لإضافتِه إلى ما هُوَ في حُكمِ المعرفةِ كأنَّه قيلَ كُلُّ النفوسِ أو الجرُّ عَلى أنَّه وصفٌ لنفسٍ أو الرفعُ عَلى أنَّه وصفٌ لكلّ وقولُه تعالَى :
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا ﴾ محكيٌّ بإضمارِ قولٍ هُو إمّا صفةٌ أُخرى لنفسٍ أو حالٌ أخرَى منْها أو استئنافٌ منبيٌّ على سؤال نشأ مما قبلَهُ كأنَّه قيلَ فماذا يفعلُ بها فقيلَ يقالُ لقدِ كنتَ في غفلةٍ إلخ، وخطابُ الكُلِّ بذلكَ لما أنَّه ما منْ أحدٍ إلا ولَهُ غفلةٌ ما عنِ الآخرةِ، وقيلَ الخطابُ للكافرِ وقُرِىءَ كُنْتِ بكسرِ التاءِ على اعتبارِ تأنيثِ النفسِ والتذكيرُ عَلى القراءةِ المشهورةِ بتأويلِ الشخصِ كما في قول جَبلةَ بنِ حُريث
يا نفسُ إِنكَ باللذاتِ مسرور... فاذكرْ فهلْ ينفعَنْك اليومَ تذكيرُ