إن حمل على القرب المكاني، فما الفائدة في الاختصاص بالمتقين مع أن المؤمن والكافر في عرصة واحدة ؟ فنقول قد يكون شخصان في مكان واحد وهناك مكان آخر هو إلى أحدهما في غاية القرب، وعن الآخر في غاية البعد، مثاله مقطوع الرجلين والسليم الشديد العدو إذا اجتمعا في موضع وبحضرتهما شيء لا تصل إليه اليد بالمد فذلك بعيد عن المقطوع وهو في غاية القرب من العادي، أو نقول : إذا اجتمع شخصان في مكان وأحدهما أحيط به سد من حديد ووضع بقربه شيء لا تناله يده بالمد والآخر لم يحط به ذلك السد يصح أن يقال هو بعيد عن المسدود وقريب من المحظوظ والمجدود، وقوله تعالى :﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ يحتمل أن يكون نصباً على الظرف يقال اجلس غير بعيد مني أي مكاناً غير بعيد، وعلى هذا فقوله غير بعيد يفيد التأكيد وذلك لأن القريب قد يكون بعيداً بالنسبة إلى شيء، فإن المكان الذي هو على مسيرة يوم قريب بالنسبة إلى البلاد النائية وبعيد بالنسبة إلى متنزهات المدينة، فإذا قال قائل أيما أقرب المسجد الأقصى أو البلد الذي هو بأقصى المغرب أو المشرق ؟ يقال له المسجد الأقصى قريب، وإن قال أيهما أقرب هو أو البلد ؟ يقل له هو بعيد.
فقوله تعالى :﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة...
غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي قربت قرباً حقيقياً لا نسبياً حيث لا يقال فيها إنها بعيدة عنه مقايسة أو مناسبة، ويحتمل أن يكون نصباً على الحال تقديره : قربت حال كون ذلك غاية التقريب أو نقول على هذا الوجه يكون معنى أزلفت قربت وهي غير بعيد، فيحصل المعنيان جميعاً الإقراب والاقتراب أو يكون المراد القرب والحصول لا للمكان فيحصل معنيان القرب المكاني بقوله غير بعيد والحصول بقوله :﴿أُزْلِفَتْ﴾ وقوله :﴿غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ مع قوله :﴿أُزْلِفَتْ﴾ على التأنيث يحتمل وجوهاً : الأول : إذا قلنا إن ﴿غَيْرِ﴾ نصب على المصدر تقديره مكاناً غير.
الثاني : التذكير فيه كما في قوله تعالى :