الأول : الخشية والخوف معناهما واحد عند أهل اللغة، لكن بينهما فرق وهو أن الخشية من عظمة المخشي، وذلك لأن تركيب حرف خ ش ي في تقاليبها يلزمه معنى الهيبة يقال شيخ للسيد والرجل الكبير السن وهم جميعاً مهيبان، والخوف خشية من ضعف الخاشي وذلك لأن تركيب خ و ف في تقاليبها يدل على الضعف تدل عليه الخيفة والخفية ولولا قرب معناهما لما ورد في القرآن ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [ الأنعام : ٦٣ ] و ﴿تَضَرُّعًا وَخِيفَة﴾ [ الأعراف : ٢٠٥ ] والمخفي فيه ضعف كالخائف إذا علمت هذا تبين لك اللطيفة وهي أن الله تعالى في كثير من المواضع ذكر لفظ الخشية حيث كان الخوف من عظمة المخشي قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ]، وقال :﴿لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله﴾ [ الحشر : ٢١ ] فإن الجبل ليس فيه ضعف يكون الخوف من ضعفه وإنما الله عظيم يخشاه كل قوي ﴿هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ [ المؤمنون : ٥٧ ] مع أن الملائكة أقوياء وقال تعالى :﴿وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] أي تخافهم إعظاماً لهم إذ لا ضعف فيك بالنسبة إليهم، وقال تعالى :﴿لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ﴾ [ العنكبوت : ٣٣ ] أي لا تخف ضعفاً فإنهم لا عظمة لهم وقال :﴿يخافون يَوْماً﴾ [ الإنسان : ٧ ] حيث كان عظمة اليوم بالنسبة إلى عظمة الله ضعيفة وقال :﴿أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ﴾ [ فصلت : ٣٠ ] أي بسبب مكروه يلحقكم من الآخرة فإن المكروهات كلها مدفوعة عنكم، وقال تعالى :﴿خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [ القصص : ٢١ ] وقال :﴿إِنّى أَخَافُ إِنْ يَقْتُلُونَ﴾ [ القصص : ٣٣ ] لوحدته وضعفه وقال هارون :﴿إِنّى خَشِيتُ﴾ [ طه : ٩٤ ] لعظمة موسى في عين هارون لا لضعف فيه وقال :﴿فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً﴾ [ الكهف : ٨٠ ] حيث لم