يكن لضعف فيه، وحاصل الكلام أنك إذا تأملت استعمال الخشية وجدتها مستعملة لخوف بسبب عظمة المخشي، وإذا نظرت إلى استعمال الخوف وجدته مستعملاً لخشية من ضعف الخائف، وهذا في الأكثر وربما يتخلف المدعى عنه لكن الكثرة كافية.
الثانية : قال الله تعالى ههنا :﴿خَشِىَ الرحمن﴾ مع أن وصف الرحمة غالباً يقابل الخشية إشارة إلى مدح المتقي حيث لم تمنعه الرحمة من الخوف بسبب العظمة، وقال تعالى :﴿لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ الله﴾ [ الحشر : ٢١ ] إشارة إلى ذم الكافر حيث لم تحمله الألوهية التي تنبىء عنها لفظة الله وفيها العظمة على خوفه وقال :﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ] لأن ﴿إِنَّمَا﴾ للحصر فكان فيه إشارة إلى أن الجاهل لا يخشاه فذكر الله ليبين أن عدم خشيته مع قيام المقتضى وعدم المانع وهو الرحمة، وقد ذكرنا ذلك في سورة يس ونزيد ههنا شيئاً آخر، وهو أن نقول لفظة :﴿الرحمن﴾ إشارة إلى مقتضى لا إلى المانع، وذلك لأن الرحمن معناه واهب الوجود بالخلق، والرحيم واهب البقاء بالرزق وهو في الدنيا رحمان حيث أوجدنا بالرحمة، ورحيم حيث أبقى بالرزق، ولا يقال لغيره رحيم لأن البقاء بالرزق قد يظن أن مثل ذلك يأتي ممن يطعم المضطر، فيقال فلان هو الذي أبقى فلاناً، وهو في الآخرة أيضاً رحمان حيث يوجدنا، ورحيم حيث يرزقنا، وذكرنا ذلك في تفسير الفاتحة حيث قلنا قال :﴿بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم﴾ إشارة إلى كونه رحماناً في الدنيا حيث خلقنا، رحيماً في الدنيا حيث رزقنا رحمة ثم قال مرة أخرى بعد قوله :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين * الرحمن الرحيم﴾ أي هو رحمن مرة أخرى في الآخرة بخلقنا ثانياً، واستدللنا عليه بقوله بعد ذلك :