هذا يدل على أن ذلك يتوقف على الإذن، وفيه من الانتظار ما لا يليق بالإكرام، نقول ليس كذلك، فإن من دعا مكرماً إلى بستانه يفتح له الباب ويجلس في موضعه، ولا يقف على الباب من يرحبه، ويقول إذا بلغت بستاني فادخله، وإن لم يكن هناك أحد يكون قد أخل بإكرامه بخلاف من يقف على بابه قوم يقولون : أدخل باسم الله، يدل على الإكرام قوله تعالى :﴿بِسَلامٍ﴾ كما يقول المضيف : أدخل مصاحباً بالسلامة والسعادة والكرامة، والباء للمصاحبة في معنى الحال، أي سالمين مقرونين بالسلامة، أو معناه أدخلوها مسلماً عليكم، ويسلم الله وملائكته عليكم، ويحتمل عندي وجهاً آخر، وهو أن يكون ذلك إرشاداً للمؤمنين إلى مكارم الاْخلاق في ذلك اليوم كما أرشدوا إليها في الدنيا، حيث قال تعالى :﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا﴾ [ النور : ٢٧ ] فكأنه تعالى قال : هذه داركم ومنزلكم، ولكن لا تتركوا حسن عادتكم، ولا تخلوا بمكارم أخلاقكم، فادخلوها بسلام، ويصيحون سلاماً على من فيها، ويسلم من فيها عليهم، ويقولون السلام عليكم، ويدل عليه قوله تعالى :﴿إِلاَّ قِيلاً سلاما سلاما﴾ [ الواقعة : ٢٦ ] أي يسلمون على من فيها، ويسلم من فيها عليهم، وهذا الوجه إن كان منقولاً فنعم، وإن لم يكن منقولاً فهو مناسب معقول أيده دليل منقول.
قوله تعالى :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخلود ﴾.
حتى لا يدخل في قلبهم أن ذلك ربما ينقطع عنهم فتبقى في قلبهم حسرته، فإن قيل المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها، فما الفائدة في التذكير ؟ والجواب : عنه من وجهين.
أحدهما : أن قوله :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخلود﴾ قول قاله الله في الدنيا إعلاماً وإخباراً، وليس ذلك قولاً يقوله عند قوله :﴿ادخلوها﴾ فكأنه تعالى أخبرنا في يومنا أن ذلك اليوم يوم الخلود.