أحدها : إذا كان ذلك للجمع بين الإنذار بالعذاب العاجل والعقاب الآجل، فلم توسطهما قوله تعالى :﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ إلى قوله :﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ ق : ٣١ ٣٥ ] نقول ليكون ذلك دعاء بالخوف والطمع، فذكر حال الكفور المعاند، وحال الشكور العابد في الآخرة ترهيباً وترغيباً، ثم قال تعالى : إن كنتم في شك من العذاب الأبدي الدائم، فما أنتم في ريب من العذاب العاجل المهلك الذي أهلك أمثالكم، فإن قيل : فلم لم يجمع بين الترهيب والترغيب في العاجلة، كما جمع بينهما في الآجلة، ولم يذكر حال من أسلم من قبل وأنعم عليه، كما ذكر حال من أشرك به فأهلكه نقول لأن النعمة كانت قد وصلت إليهم، وكانوا متقلبين في النعم، فلم يذكرهم به، وإنما كانوا غافلين عن الهلاك فأنذرهم به، وأما في الآخرة، فكانوا غافلين عن الأمرين جميعاً، فأخبرهم بهما.
الثاني : قوله تعالى :﴿فَنَقَّبُواْ فِى البلاد ﴾.
في معناه وجوه.
أحدها : هو ما قاله تعالى في حق ثمود :﴿الذين جَابُواْ الصخر بالواد﴾ [ الفجر : ٩ ] من قوتهم خرق الطرق ونقبوها، وقطعوا الصخور وثقبوها.
ثانيها : نقبوا، أي ساروا في الأسفار ولم يجدوا ملجأً ومهرباً، وعلى هذا يحتمل أن يكون المراد أهل مكة، أي هم ساروا في الأسفار، ورأوا ما فيها من الآثار.
ثالثها :﴿فَنَقَّبُواْ فِى البلاد﴾ أي صاروا نقباء في الأرض أراد ما أفادهم بطشهم وقوتهم، ويدل على هذا الفاء، لأنها تصير حينئذ مفيدة ترتب الأمر على مقتضاه، تقول كان زيد أقوى من عمرو فغلبه، وكان عمرو مريضاً فغلبه زيد، كذلك ههنا قال تعالى :﴿هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً﴾ فصاروا نقباء في الأرض، وقرىء :﴿فَنَقَّبُواْ﴾ بالتشديد، وهو أيضاً يدل على ما ذكرنا في الوجه الثالث، لأن التنقيب البحث، وهو من نقب بمعنى صار نقيباً.
الثالث : قوله تعالى :﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾.
يحتمل وجوهاً ثلاثة.


الصفحة التالية
Icon