ثانيها : هي كلمة تهديد وتخويف لأن قوله :﴿وَإِلَيْنَا المصير﴾ [ ق : ٤٣ ] ظاهر في التهديد بالعلم بعملكم لأن من يعلم أن مرجعه إلى الملك ولكنه يعتقد أن الملك لا يعلم ما يفعله لا يمتنع من القبائح، أما إذا علم أنه يعلمه وعنده غيبه وإليه عوده يمتنع فقال تعالى :﴿وَإِلَيْنَا المصير﴾ و ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ﴾ وهو ظاهر في التهديد، وهذا حينئذ كقوله تعالى :﴿ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ [ الزمر : ٧ ].
ثالثها تقرير الحشر وذلك لأنه لما بيّن أن الحشر عليه يسير لكمال قدرته ونفوذ إرادته ولكن تمام ذلك بالعلم الشامل حتى يميز بين جزء بدنين جزء بدن زيد وجزء بدن عمرو فقال :﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ لكمال قدرتنا، ولا يخفى علينا الأجزاء لمكان علمنا، وعلى هذا فقوله :﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ معناه نحن نعلم عين ما يقولون في قولهم ﴿أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً﴾ [ المؤمنون : ٨٢ ] ﴿أَئذَا ضَلَلْنَا فِى الأرض﴾ [ السجدة : ١٠ ] فيقول : نحن نعلم الأجزاء التي يقولون فيها إنها ضالة وخفية ولا يكون المراد نحن نعلم وقولهم في الأول جاز أن تكون ما مصدرية فيكون المراد من قوله :﴿بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي قولهم، وفي الوجه الآخر تكون خبرية، وعلى هذا الدليل فلا يصح قوله :﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ﴾ إذ لا عالم بتلك الأجزاء سواه حتى يقول :﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ﴾ نقول قد علم الجواب عنه مراراً من وجوه :
أحدها : أن أفعل لا يقتضي الاشتراك في أصل الفعل كما في قوله تعالى :﴿والله أَحَقُّ أَن تخشاه﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] وفي قوله تعالى :﴿أَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ [ مريم : ٧٧ ]، وفي قوله :﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [ الروم : ٢٧ ].