فصل فى التفسير الموضوعى للسورة كاملة


قال الشيخ محمد الغزالى :
سورة الذاريات
بدأت سورة الذريات بعدة أقسام تحتاج إلى التأمل، أولها القسم بالرياح، فإننا لو حُرمنا الهواء اختنقنا ومتنا. وقد تساءلت عما يملأ صدرى من هذا الهواء : هل نتبادله نحن البشر ؟ هل ما تخرجه رئتاى من هواء يذهب إلى آخرين ؟ إن تيارات الهواء تصعد وتهبط فوق طهر الأرض، ثم تهب الرياح فتذهب بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ! وقد يذهب ما ملأ صدرى منها إلى شخص آخر فى أوربا أو أسيا !! من يعلم ذلك ويحدده ويتابعه ؟ الله وحده ! ثم إن هذه الرياح تحمل السحب التى ينتظرها العطاش من البشر والدواب، أو تنتظرها الأرض الميتة لتحيا. ونحن فى مصر لا نعول على الأمطار فى معايشنا. إن النيل يحمل لنا ما يروينا، لكن من أين ؟ الأمطار الرسمية القادمة من المحيط الهندى تهمى سيلا بعد سيل، ويتصل عبابها شاقا طريقه من وسط إفريقية إلى شمالها، فنشرب فى القاهرة والإسكندرية من هذا الغيث الذى قطع آلاف الأميال إلى أفواهنا.. إن الهواء الرقيق الخفيف يحمل هذه المقادير من المياه التى يجرى بها نهر كبير! " والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا * فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا * إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع ". لقد كنت أعجب من أن الهواء فى إطارات السيارة يحمل أثقالا باهظة، حتى التفت إلى أن أنهار الأرض يحملها هذا الهواء سحُبا قبل أن تنزل إلينا مطرا. وقد أقسم الله بالرياح على أن الجزاء حق، وأن البشر مسئولون بعد قليل عما قدموا وأخّروا ! ثم جاءت بعد ذلك أقسام أخرى "والسماء ذات الحبك * إنكم لفي قول مختلف". إن آفاق السماء محبوكة لا تسيب فيها ولا فوضى، وما يسبح فيها يتم وفق نظام رتيب.


الصفحة التالية
Icon