وقال الشيخ سيد قطب :
تقديم لسورة الذاريات
هذه السورة ذات جو خاص. فهي تبدأ بذكر قوى أربعة.. من أمر الله.. في لفظ مبهم الدلالة، يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر. يقسم الله - تعالى - على أمر: والذاريات ذروا، فالحاملات وقرا، فالجاريات يسرا، فالمقسمات أمرا. إنما توعدون لصادق. وإن الدين لواقع..
والذاريات. والحاملات. والجاريات. والمقسمات.. مدلولاتها ليست متعارفة، وهي غامضة تحتاج إلى السؤال والاستفسار، كما أنها بذاتها تلقي في الحس ذلك الظل. ولعله هو المقصود الأول منها في جو هذه السورة.
وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء:(والسماء ذات الحبك).. يقسم بها الله تعالى. على أمر:(إنكم لفي قول مختلف).. لا استقرار له ولا تناسق فيه، قائم على التخرصات والظنون، لا على العلم واليقين..
هذه السورة: بافتتاحها على هذا النحو، ثم بسياقها كله، تستهدف أمرا واضحا في سياقها كله.. ربط القلب البشري بالسماء ; وتعليقه بغيب الله المكنون ; وتخليصه من أوهاق الأرض، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله، والانطلاق إليه جملة، والفرار إليه كلية، استجابة لقوله في السورة: (ففروا إلى الله).. وتحقيقا لإرادته في عباده:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)..