قال تعالى مقسما بذاته العالية "فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ" إن كل ما توعدون به على لسان رسلكم "لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ" ٢٣ وهنا جواب القسم الثالث العظيم من لدن حضرة الرب العظيم، أي فكما كل إنسان ينطق بلسانه ولا يتمكن من النطق بلسان غيره فكذلك يأتيه رزقه الذي قسم وقدر له في الدنيا ولا يقدر أن يأكل رزقه غيره، وان ما وعده به رسوله في الآخرة من البعث والحساب والعقاب والثواب واقع لا ريب فيه، كما أنه لا شك لكم في نطقكم، فلا تظنوا خلافه، وهذا من قبيل ضرب المثل كقولك (إن هذا الأمر كما ترى وتسمع) أي كما أنك لا تشك أنك ترى وتسمع فلا تشك في هذا الأمر.
قال الأصمعي أقبلت من جامع البصرة، فطلع علي أعرابي على قعود، فقال ممن الرجل ؟ فقلت من بني أصمع، قال من أين أقبلت ؟ قلت من
موقع يتلى فيه كتاب اللّه، قال أتل على شيئا منه، فتلوت (وَالذَّارِياتِ) إلى قوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) الآية، قال حسبك، فقام على قعوده ونحره ووزع لحمه على من أقبل وأدبر، وعمد إلى قوسه وسيفه فكسرهما وولى.
وقد عجبنا جميعا من حاله وفعله وإدباره، ثم بعد سنين حججت مع الرشيد وطفقت أطوف البيت، وإذا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي، وإذا قد نحل جسمه واصفر لونه، فسلم علي واستقرأني السورة، فقرأتها حتى بلغت الآية، فصاح وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال وهل غير ذلك ؟
قلت بلى، قال زدني، فقرأت (فَوَ رَبِّ السَّماءِ) الآية، فصاح وقال يا سبحان اللّه من الذي أغضب الجليل الجبار حتى خلف، ألم يصدقوه حتى حلف ؟ وكرر هذه الجملة ثلاثا وخرجت معها نفسه.
رحمه اللّه رحمة واسعة ورزقنا التصديق بآيات اللّه تعالى على ما يريده.


الصفحة التالية
Icon