﴿إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ﴾ [ الصافات : ٤ ] وذلك لأنهم وإن كانوا يقولون :﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا﴾ [ ص : ٥ ] على سبيل الإنكار، وكانوا يبالغون في الشرك، لكنهم في تضاعيف أقوالهم، وتصاريف أحوالهم كانوا يصرحون بالتوحيد، وكانوا يقولون :﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى﴾ [ الزمر : ٣ ] وقال تعالى :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله﴾ [ الزمر : ٣٨ ] فلم يبالغوا في الحقيقة في إنكار المطلوب الأول، فاكتفى بالبرهان، ولم يكثر من الأيمان، وفي سورتين منها أقسم لإثبات صدق محمد ﷺ، وكونه رسولاً في إحداهما بأمر واحد، وهو قوله تعالى :﴿والنجم إِذَا هوى * مَا ضَلَّ صاحبكم﴾ [ النجم : ١، ٢ ] وفي الثانية بأمرين وهو قوله تعالى :﴿والضحى * واليل إِذَا سجى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى﴾ [ الضحى : ١ ٣ ] وذلك لأن القسم على إثبات رسالته قد كثر بالحروف والقرآن، كما في قوله تعالى :﴿يس * والقرءان الحكيم * إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين﴾ [ ياس : ١ ٣ ] وقد ذكرنا الحكم فيه أن معجزات النبي ﷺ القرآن، فأقسم به ليكون في القسم الإشارة واقعة إلى البرهان، وفي باقي السور كان المقسم عليه الحشر والجزاء وما يتعلق به لكون إنكارهم في ذلك خارجاً عن الحد، وعدم استيفاء ذلك في صورة القسم بالحروف.
المسألة الثالثة :
أقسم الله تعالى بجموع السلامة المؤنثة في سور خمس، ولم يقسم بجموع السلامة المذكورة في سورة أصلاً، فلم يقل : والصالحين من عبادي، ولا المقربين إلى غير ذلك، مع أن المذكر أشرف، وذلك لأن جموع السلام بالواو والنون في الأمر الغالب لمن يعقل، وقد ذكرنا أن القسم بهذه الأشياء ليس لبيان التوحيد إلا في صورة ظهور الأمر فيه، وحصول الاعتراف منهم به، ولا للرسالة لحصول ذلك في صور القسم بالحروف والقرآن.


الصفحة التالية
Icon