إذا كان المقصود إثبات التوحيد، فكيف قال :﴿بنينا﴾ ولم يقل بنيتها أو بناها الله ؟ نقول قوله :﴿بنيانا﴾ أدل على عدم الشريك في التصرف والاستبداد وقوله بنيتها يمكن أن يكون فيه تشريك، وتمام التقرير هو أن قوله تعالى :﴿بنيناها﴾ لا يورث إيهاماً بأن الآلهة التي كانوا يعبدونها هي التي يرجع إليها الضمير في ﴿بنيناها﴾ لأن تلك إما أصنام منحوتة وإما كواكب جعلوا الأصنام على صورها وطبائعها، فأما الأصنام المنحوتة فلا يشكون أنها ما بنت من السماء شيئاً، وأما الكواكب فهي في السماء محتاجة إليها فلا تكون هي بانيتها، وإنما يمكن أن يقال إنما بنيت لها وجعلت أماكنها، فلما لم يتوهم ما قالوا قال بنينا نحن ونحن غير ما يقولون ويدعونه فلا يصلحون لنا شركاء لأن كل ما هو غير السماء ودون السماء في المرتبة فلا يكون خالق السماء وبانيها فإذن علم أن المراد جمع التعظيم وأفاد النص عظمته، فالعظمة أنفى للشريك فثبت أن قوله :﴿بنيناها﴾ أدل على نفي الشريك من بنيتها وبناها الله.
فإن قيل : لم قلت : إن الجمع يدل على التعظيم ؟ قلنا الجواب من الوجهين.
الأول : أن الكلام على قدر فهم السامع، والسامع هو الإنسان، والإنسان يقيس الشاهد على الغائب، فإن الكبير عندهم من يفعل الشيء بجنده وخدمه ولا يباشر بنفسه، فيقول الملك فعلنا أي فعله عبادنا بأمرنا ويكون في ذلك تعظيم، فكذلك في حق الغائب.