البحث الثاني :﴿مَا تَذَرُ﴾ للنفي حال التكلم يقال ما يخرج زيد أي الآن، وإذا أردت المستقبل تقول لا يخرج أو لن يخرج، وأما الماضي تقول ما خرج ولم يخرج، والريح حالة الكلام مع النبي ﷺ كانت ما تركت شيئاً إلا جعلته كالرميم فكيف قال بلفظ الحالة ﴿مَا تَذَرُ﴾ نقول الحكاية مقدرة على أنها محكية حال الوقوع، ولهذا قال تعالى :﴿وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد﴾ [ الكهف : ١٨ ] مع أن اسم الفاعل الماضي لا يعمل وإنما يعمل ما كان منه بمعنى الحال والاستقبال.
البحث الثالث : هل في قوله تعالى :﴿مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ مبالغة ودخول تخصيص كما في قوله تعالى :﴿تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا﴾ [ الأحقاف : ٢٥ ] نقول هو كما وقع لأن قوله :﴿أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ وصف لقوله :﴿شَىْء﴾ كأنه قال كل شيء أتت عليه أو كل شيء تأتي عليه جعلته كالرميم ولا يدخل فيه السموات لأنها ما أتت عليها وإنما يدخل فيه الأجسام التي تهب عليها الرياح، فإن قيل فالجبال والصخور أتت عليها وما جعلتها كالرميم ؟ نقول المراد أتت عليه قصداً وهو عاد وأبنيتهم وعروشهم وذلك لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة إياهم فما تركت شيئاً من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم مع أن الصر الريح الباردة والمكرر لا ينفك عن المعنى الذي في اللفظ من غير تكرير، تقول حث وحثحث وفيه ما في حث نقول فيه قولان.
أحدهما : أنها كانت باردة فكانت في أيام العجوز وهي ثمانية أيام من آخر شباط وأول آذار، والريح الباردة من شدة بردها تحرق الأشجار والثمار وغيرهما وتسودهما.
والثاني : أنها كانت حارة والصر هو الشديد لا البارد وبالشدة فسّر قوله تعالى :﴿فِى صَرَّةٍ﴾ [ الذاريات : ٢٩ ] أي في شدة من الحر.