البحث الرابع : في قوله تعالى :﴿مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم﴾ لأن في قوله تعالى :﴿مَا تَذَرُ﴾ نفي الترك مع إثبات الإتيان فكأنه تعالى قال تأتي على أشياء وما تتركها غير محرقة وقول القائل : ما أتى على شيء إلا جعله كذا يكون نفي الإتيان عما لم يجعله كذلك.
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣)
قوله تعالى :﴿وَفِى ثَمُودَ﴾ والبحث فيه وفي عاد هو ما تقدم في قوله تعالى :﴿وَفِى موسى﴾ [ الذاريات : ٣٨ ].
وقوله تعالى :﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ﴾ قال بعض المفسرين : المراد منه هو ما أمهلهم الله ثلاثة أيام بعد قتلهم الناقة وكانت في تلك الأيام تتغير ألوانهم فتصفر وجوههم وتسود، وهو ضعيف لأن قوله تعالى :﴿فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ﴾ [ الذاريات : ٤٤ ] بحرف الفاء دليل على أن العتو كان بعد قوله :﴿تَمَتَّعُواْ﴾ فإن الظاهر أن المراد هو ما قدر الله للناس من الآجال، فما من أحد إلا وهو ممهل مدة الأجل يقول له تمتع إلى آخر أجلك فإن أحسنت فقد حصل لك التمتع في الدارين وإلا فما لك في الآخرة من نصيب.
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤)
فيه بحث وهو أن عتا يستعمل بعلى قال تعالى :﴿أيهم أشد على الرحمن عتياً﴾ [ مريم : ٦٩ ] وههنا استعمل مع كلمة عن فنقول فيه معنى الاستعتاء فحيث قال تعالى :﴿عن أمر ربهم﴾ كان كقوله :﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ [ الأعراف : ٢٠٦ ] وحيث قال على كان كقول القائل فلان يتكبر علينا، والصاعقة فيه وجهان ذكرناهما هنا.
أحدها : أنها الواقعة.