والثاني : الصوت الشديد وقوله :﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ إشارة إلى أحد معنيين إما بمعنى تسليمهم وعدم قدرتهم على الدفع كما يقول القائل للمضروب يضربك فلان وأنت تنظر إشارة إلى أنه لا يدفع، وإما بمعنى أن العذاب أتاهم لا على غفلة بل أنذروا به من قبل بثلاثة أيام وانتظروه، ولو كان على غفلة لكان لمتوهم أن يتوهم أنهم أخذوا على غفلة أخذ العاجل المحتاج، كما يقول المبارز الشجاع أخبرتك بقصدي إياك فانتظرني.
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)
وقوله تعالى :﴿فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلاً عن أن يهرب، وعلى هذا فيه لطائف لفظية.
إحداها : قوله تعالى :﴿فَمَا استطاعوا﴾ فإن الاستطاعة دون القدرة، لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبىء عن عدم القدرة والاستقلال، فمن استطاع شيئاً كان دون من يقدر عليه، ولهذا يقول المتكلمون الاستطاعة مع الفعل أو قبل الفعل إشارة إلى قدرة مطلوبه من الله تعالى مأخوذة منه وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ [ المائدة : ١١٢ ] على قراءة من قرأ بالتاء وقوله :﴿فَمَا استطاعوا﴾ أبلغ من قول القائل ما قدروا على قيام.
ثانيها : قوله تعالى :﴿مِن قِيَامٍ﴾ بزيادة من، وقد عرفت ما فيه من التأكيد.
ثالثها : قوله :﴿قِيَامٍ﴾ بدل قوله هرب لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب.
الوجه الثاني : هو أن المراد من قيام القيام بالأمر، أي ما استطاعوا من قيام به.


الصفحة التالية
Icon