الملائكة أيضاً من أصناف المكلفين ولم يذكرهم الله مع أن المنفعة الكبرى في إيجاده لهم هي العبادة ولهذا قال :﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٦ ] وقال تعالى :﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ [ الأعراف : ٢٠٦ ] فما الحكمة فيه ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : قد ذكرنا في بعض الوجوه أن تعلق الآية بما قبلها بيان قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له، وهذا مختص بالجن والإنس لأن الكفر في الجن أكثر، والكافر منهم أكثر من المؤمن لما بينا أن المقصود بيان قبحهم وسوء صنيعهم الثاني : هو أن النبي ﷺ كان مبعوثاً إلى الجن، فلما قال وذكرهم ما يذكر به وهو كون الخلق للعبادة خص أمته بالذكر أي ذكر الجن والإنس الثالث : أن عباد الأصنام كانوا يقولون بأن الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين فهم يعبدون الله وخلقهم لعبادته ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله، فقال تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ولم يذكر الملائكة لأن الأمر فيهم كان مسلماً بين القوم فذكر المتنازع فيه الرابع : قيل الجن يتناول الملائكة لأن الجن أصله من الاستتار وهم مستترون عن الخلق، وعلى هذا فتقديم الجن لدخول الملائكة فيهم وكونهم أكثر عبادة وأخصلها الخامس : قال بعض الناس كلما ذكر الله الخلق كان فيه التقدير في الجرم والزمان قال تعالى :﴿خُلِقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ] وقال تعالى :﴿خَلَقَ الأرض فِى يَوْمَيْنِ﴾ [ فصلت : ٩ ] وقال :﴿خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾ [ ص : ٧٥ ] إلى غير ذلك، وما لم يكن ذكره بلفظ الأمر قال تعالى :﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [ ياس : ٨٢ ] وقال :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] وقال تعالى :


الصفحة التالية