فإذا كان لقولهم من صحة "فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ" في حسن النظم ورشاقة اللفظ ولطافة البيان والأحكام والحدود والإخبار بالمغيبات وقصص الأمم السابقة "إِنْ كانُوا صادِقِينَ" ٣٤ بأنك اختلقته أو أنه شعر أو كهانة، لأنهم عرب مثلك يدعون الفصاحة والبلاغة، والتنكير يفيد التقليل أي ليأتوا بمطلق حديث يشابهه، وقد خسئوا لا يستيعون ولو اجتمعوا وتعاونوا وقد لزمتهم الحجة، راجع الآية ١٣ من سورة هود المارة، قل يا محمد "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ ءٍ" أراد بشيء هنا الخلق، إذ ربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء، والمعنى أوجدوا بلا خالق، فإن قالوا لا، وقعت عليهم الحجة، وإن قالوا نعم فقل لا يجوز أن يوجد خلق بلا خالق، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضروريات الاسم "أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ" ٣٥ لأنفسهم أم اللّه خلقهم، فإن قالوا نحن فقول باطل، لأن من لا وجود له كيف يخلق، وعلى فرض المحال فكلفهم أن يخلقوا ذبابة أو يخلّصوا منها ما تسلبهم، فإذا عجزوا ولا شك أنهم عاجزون فقد لزمتهم الحجة بأنهم مخلوقون للّه، وعليهم أن يؤمنوا بخالقهم.
وهذا إلزام ثان.
قال تعالى "أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ" كلا، بل خلقها الخالق لهم، ولئن سألتهم ليقولن خلقها اللّه حتما "بَلْ لا يُوقِنُونَ" ٣٦ إيقانا حقيقيا بأنه خلقها، ولو أيقنوا لا لاعترفوا، ولكنهم يجحدون عنادا بسبب إعراضهم عن آيات اللّه وعدم تدبرهم معانيها، وهذه حجة ثالثة لزمتهم فافحمتهم.