قال تعالى "وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا" لشدة عنادهم وقوة عتوهم، هذا "سَحابٌ مَرْكُومٌ" ٤٤ بعضه على بعض، وهذا جواب لقولهم (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) الآية ٩٢ من سورة الإسراء في ج ١، وإذا تبين لك يا سيد الرسل حالهم هذا "فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ" ٤٥ يمرتون قصفا على حين غفلة لأنهم لا بد لهم من الموت ولو بقوا إلى النفخة الأولى التي يصعق فيها كل حي على الأرض وفي السماء عدا من استثنى اللّه وذلك يوم الموت حتف الأنف والموت بالصعق "يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً" من اللّه تعالى "وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" ٤٦ من قبل شركائهم ولا غيرهم.
قال تعالى "وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ" قبل صعقهم سينالهم في الدنيا كالقحط والأسر والجلاء والقتل، وهذه الآية أيضا من الإخبار بالغيب إذ وقع بعض ذلك في بعضهم وكله في كلهم وأشده يوم بدر فما بعده، وكان بينه وبين نزول هذه الآية سنتان، وقال بعض المفسرين أن دون هنا بمعنى وراء، وعليه يراد بالعذاب عذاب القبر، لأنه يكون وراء الموت وهو خلاف الظاهر، وتقدم ما فيه في الآية ٢٥ من سورة نوح عليه السلام المارة "وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" ٤٧ أنا سنزل فيهم عذابا قبل موتهم ولا بعده، وفي هذه الآية إشارة إلى أن فيهم من يتوقع ذلك بالفراسة، ومنهم من يعتقد صدقه فيتحقق ما يوعدهم به، ومنهم من يسمع ما وقع للأنبياء السابقين مع أممهم، فيعترفون أن محمدا رسول اللّه حقا، وأن ما يخبر به لا شك واقع، ولكنهم عنادا يصرون على الكفر وعتوا يكذبون.