ولما كان هذا النعيم العظيم المقيم يدعو إلى المعاشرة، بالقرينة العاطرة، بين أن ذلك حالهم اللازمة الظاهرة، من الخصال اللائقة الطاهرة، فقال :﴿يتنازعون﴾ أي يشربون متجاذبين مجاذبة الملاعبة لفرط المحبة والسرور وتحلية المصاحبة ﴿فيها كأساً﴾ أي خمراً من رقة حاشيتها تكاد أن لا ترى في كأسها.
ولما كان في خمر الدنيا غوائل نفاها عنها فقال :﴿لا لغو﴾ أي سقط مما يضر ولا ينفع ﴿فيها﴾ أي في تنازعها ولا بسبها لأنها لا تذهب بعقولهم ولا يتكلمون إلا بالحسن الجميل ﴿ولا تأثيم﴾ أي ولا شيء فيها مما يلحق شرَّابها إثما ولا يسوغ نسبه.
ولما كانت المعاطاة لا يكمل بسطها ولا يعظم إلا بخدم وسقاة قال :﴿ويطوف عليهم﴾ أي بالكؤوس وغيرها من أنواع التحف ﴿غلمان﴾ ولما كان أحب ما إلى الإنسان ما يختص به قال :﴿لهم﴾ ولم يضفهم لئلا يظن أنهم الذين كانوا يخدمونهم في الدنيا فيشفق كل من خدم أحد في الدنيا بقول أو فعل أن يكون خادماً له في الجنة فيحزن بكونه لا يزال تابعاً، وأفاد التنكير أن كل من دخل الجنة وجد له خدماً لم يعرفهم قبل ذلك ﴿كأنهم﴾ في بياضهم وشدة صفائهم ﴿لؤلؤ مكنون﴾ أي مصون في الصدف لم تغيره العوارض، هذا حال الخادم فما ظنك بالمخدوم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٧ صـ ٢٩٧ ـ ٣٠٠﴾