وأما اليوم فلا من عليكم لأن هذا إنجاز الوعد فإن قيل قال في حق الكفار ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [ التحريم : ٧ ] وقال في حق المؤمنين ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فهل بينهما فرق ؟ قلت بينهما بون عظيم من وجوه الأول : كلمة ﴿إِنَّمَا﴾ للحصر أي لا تجزون إلا ذلك، ولم يذكر هذا في حق المؤمن فإنه يجزيه أضعاف ما عمل ويزيده من فضله، وحينئذ إن كان يمن الله على عبده فيمن بذلك لا بالأكل والشرب الثاني : قال هنا ﴿بِمَا كُنتُمْ﴾ وقال هناك ﴿مَّا كُنتُمْ﴾ أي تجزون عين أعمالكم إشارة إلى المبالغة في المماثلة كما تقول هذا عين ما عملت وقد تقدم بيان هذا وقال في حق المؤمن ﴿بِمَا كُنتُمْ﴾ كأن ذلك أمر ثابت مستمر بعملكم هذا الثالث : ذكر الجزاء هناك وقال ههنا ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لأن الجزاء ينبىء عن الانقطاع فإن من أحسن إلى أحد فأتى بجزائه لا يتوقع المحسن منه شيئاً آخر.
فإن قيل فالله تعالى قال في مواضع ﴿جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [ الأحقاف : ١٤ ] في الثواب، نقول في تلك المواضع لما لم يخاطب المجزي لم يقل تجزى وإنما أتى بما يفيد العالم بالدوام وعدم الانقطاع.
وأما في السرر فذكر أموراً أيضاً أحدها : الاتكاء فإنه هيئة تختص بالمنعم، والفارغ الذي لا كلفة عليه ولا تكلف لديه فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس له ولا يتكىء عنده، ومن يكون في مهم لا يتفرغ للاتكاء فالهيئة دليل خير.