ووجه الاتصال على هذا أنه سبحانه لما ذكر حال المتقين وأنه عز وجل وفر عليهم ما أعده لهم من الثواب والتفضل عقب بذلك الكلام ليدل على أنهم فكوا رقابهم وخلصوها وغيرهم بقي معذباً لأنه لم يفك رقبته، وكان موضعه من حيث الظاهر أن يكون عقيب قوله تعالى :﴿ هُوَ البر الرحيم ﴾ [ الطور : ٢٨ ] ليكون كلاماً راجعاً إلى حال الفريقين المدعوين.
والمتقين وإنما جعل متخللاً بين أجزية المتقين عقيب ذكر توفير ما أعدّ لهم، قال في "الكشف" : ليدل على أن الخلاص من بعض أجزيتهم أيضاً ويلزم أن عدم الخلاص جزاء المقابلين من طريق الإيماء وموقعه موقع الاعتراض تحقيقاً لتوفير ما عدد لأنه إنما يكون بعد الخلاص، وفيه إيماء إلى أن إلحاق الأبناء إنما كان تفضلاً على الآباء لا على الأبناء ابتداءاً لأن التفضل فرع الفك وهؤلاء هم الذين فكوا فاستحقوا التفضل، وجعله استئنافاً بيانياً لهذا المعنى كما فعل الطيبي بعيد، وقيل :﴿ رَهَينٌ ﴾ فعيل بمعنى الفاعل والمعنى كل امرىء بما كسب راهن أي دائم ثابت، وفي "الإرشاد" أنه أنسب بالمقام فإن الدوام يقتضي عدم المفارقة بين المرء وعمله، ومن ضرورته أن لا ينقص من ثواب الآباء شيء، فالجملة تعليل لما قبلها، وأنت تعلم أن فعيلاً بمعنى المفعول أسرع تبادراً إلى الذهن فاعتباره أولى ووجه الاتصال عليه أوفق وألطف كما لا يخفى.
﴿ وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ أي وزدناهم على ما كان لهم من مبادىء التنعم وقتاً فوقتاً مما يشتهون من فنون النعماء وألوان الآلاء، وأصل المدّ الجر، ومنه المدّة للوقت الممتد ثم شاع في الزيادة، وغلب الإمداد في المحبوب، والمدّ في المكروه وكونه وقتاً بعد وقت مفهوم المدّ نفسه.
﴿ يتنازعون فِيهَا كَأْساً ﴾ أي يتجاذبونها في الجنة هم وجلساؤهم تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى بينهم في الدنيا لشدة سرورهم قال الأخطل
: نازعته طيب الراح الشمول وقد...