وعلى القول الثالث، يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازاً باعتبار كثرة من يتعبد فيه من بني آدم ﴿ والسقف المرفوع ﴾ يعني : السماء، سماها سقفاً لكونها كالسقف للأرض، ومنه قوله :﴿ وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ] وقيل : هو العرش ﴿ والبحر المسجور ﴾ أي : الموقد، من السجر : وهو إيقاد النار في التنور، ومنه قوله :﴿ وَإِذَا البحار سُجّرَتْ ﴾ [ التكوير : ٦ ] وقد روي أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون ناراً، وقيل : المسجور : المملوء، قيل : إنه من أسماء الأضداد، يقال : بحر مسجور أي : مملوء، وبحر مسجور، أي : فارغ، وقيل : المسجور : الممسوك، ومنه ساجور الكلب لأنه يمسكه.
وقال أبو العالية : المسجور : الذي ذهب ماؤه، وقيل : المسجور : المفجور، ومنه :﴿ وَإِذَا البحار فُجّرَتْ ﴾ [ الإنفطار : ٣ ] وقال الربيع بن أنس : هو الذي يختلط فيه العذب بالمالح.
والأوّل أولى، وبه قال مجاهد، والضحاك، ومحمد بن كعب، والأخفش، وغيرهم.
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ هذا جواب القسم، أي : كائن لا محالة لمن يستحقه ﴿ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ يدفعه ويرده عن أهل النار، وهذه الجملة خبر ثان لإن، أو صفة لواقع، و " من " مزيدة للتأكيد.
ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالة على كمال القدرة الربانية.
﴿ يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً ﴾ العامل في الظرف ﴿ لواقع ﴾، أي : إنه لواقع في هذا اليوم، ويجوز أن يكون العامل فيه ﴿ دافع ﴾.
والمور : الاضطراب والحركة.
قال أهل اللغة : مار الشيء يمور موراً : إذا تحرك وجاء وذهب، قاله الأخفش، وأبو عبيدة : وأنشدا بيت الأعشى :
كأن مشيها من بيت جارتها... مشي السحابة لا ريث ولا عجل
وليس في البيت ما يدلّ على ما قالاه إلاّ إذا كانت هذه المشية المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة.