وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) ﴾
استئناف بياني بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم، فمن شأن السامع أن يتساءل عن حال أضدادهم وهم الفريق الذين صدقوا الرسول ﷺ فيما جاء به القرآن وخاصة إذ كان السامعون المؤمنين وعادة القرآن تعقيب الإِنذار بالتبشير وعكسه، والجملة معترضة بين ما قبلها وجملة ﴿ أم يقولون شاعر ﴾ [ الطور : ٣٠ ].
وتأكيد الخبر بـ ( إن ) للاهتمام به وتنكير ﴿ جنات ونعيم ﴾ لتعظيم، أي في أيَّة جنات وأيّ نعيم.
وجمع ﴿ جنات ﴾ تقدم في سورة الذاريات.
والفاكه : وصف من فكِه كفرح، إذا طابت نفسه وسرّ.
وقرأ الجمهور ﴿ فاكهين ﴾ بصيغة اسم الفاعل، وقرأه أبو جعفر ﴿ فكهين ﴾ بدون ألف.
والباء في ﴿ بما آتاهم ربهم ﴾ للسببية، والمعنى : أن ربهم أرضاهم بما يحبون.
واستحضار الجلالة بوصف ﴿ ربهم ﴾ للإِشارة إلى عظيم ما آتاهم إذ العطاء يناسب حال المعطي، وفي إضافة ( رب ) إلى ضميرهم تقريب لهم وتعظيم وجملة ﴿ ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ﴾ في موضع الحال، والواو حالية، أو عاطفة على ﴿ فاكهين ﴾ الذي هو حال، والتقدير : وقد وقاهم ربهم عذاب الجحيم، وهو حال من المتقين.
والمقصود من ذكر هذه الحالة : إظهار التباين بين حال المتقين وحال المكذبين زيادة في الامتنان فإن النعمة تزداد حسن وقع في النفس عند ملاحظة ضدها.
وفيه أيضاً أن وقايتهم عذاب الجحيم عدل، لأنهم لم يقترفوا ما يوجب العقاب.
وأما ما أعطوه من النعيم فذلك فضل من الله وإكرام منه لهم.
وفي قوله :﴿ ربهم ﴾ ما تقدم قُبَيْله.
وجملة ﴿ كلوا واشربوا ﴾ إلى آخرها مقول قول محذوف في موضع الحال أيضاً، تقديره : يقال لهم، أو مقولاً لهم.
وهذا القول مقابل ما يقال للمكذبين ﴿ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون ﴾ [ الطور : ١٦ ].


الصفحة التالية
Icon