وحذف مفعول ﴿ كلوا واشربوا ﴾ لإِفادة النعيم، أي كلوا كل ما يؤكل واشربوا كلّ ما يشرب، وهو عموم عرفي، أي مما تشتهون.
و﴿ هنيئاً ﴾ اسم على وزن فعيل بمعنى مفعول وقع وصفاً لمصدرين لفعلي ﴿ كلوا واشربوا ﴾، أكلاً وشرباً، فلذلك لم يؤنث الوصف لأن فعيلاً إذا كان بمعنى مفعول يلزم الإِفراد والتذكير.
وتقدم في سورة النساء لأنه سالم مما يكدر الطعام والشراب.
و( ما ) موصولة، والباء سببية، أي بسبب العمل الذي كنتم تعملونه وهو العمل الصالح الذي يومىء إليه قوله :﴿ المتقين ﴾ وفي هذا القول زيادة كرامة لهم بإظهار أن ما أوتوه من الكرامة عوض عن أعمالهم كما آذنت به باء السببية وهو نحو قول من يسدي نعمة إلى المنعم عليه : لا فضل لي عليك وإنما هو مالك، أو نحو ذلك.
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)
حال من ضمير ﴿ كلوا واشربوا ﴾ [ الطور : ١٩ ]، أي يقال لهم كلوا واشربوا حال كونهم متكئين، أي وهم في حال إكلة أهل الترف المعهود في الدنيا، فقد كان أهل الرفاهية يأكلون متكئين وقد وصف القرآن ذلك في سورة يوسف ( ٣١ ) بقوله :﴿ أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئاً وءاتت كل واحدة منهن سكيناً ﴾ أي لَحز الطعام والثمار.
وفي الحديث " أمَّا أنا فلا آكل متكئاً " وكان الأكاسرة ومرازبة الفُرس يأكلون متكئين وكذلك كان أَباطرة الرومان وكذلك شأنهم في شُرب الخمر، قال الأعشى:
نَازَعْتهُم قُضب الريحان متكئاً...
وخمرةً مُزة رَاوُوقها خضل
والسَّرر : جمع سرير، وهو ما يُضطجع عليه.
والمصفوفة : المتقابلة، والمعنى : أنهم يأكلون متكئين مجتمعين للتأنس كقوله تعالى :﴿ على سرر متقابلين ﴾ [ الصافات : ٤٤ ].
وجملة ﴿ وزوجناهم ﴾ عطف على ﴿ متكئين ﴾ فهي في موضع الحال.
ومعنى ﴿ زوجناهم ﴾ : جعلنا كل فرد منهم زوجاً، أي غير مفرد، أي قرنَّاهم بنساء حُور عيننٍ.