ما الحكمة في اختيار هذه الأشياء ؟ نقول هي تحتمل وجوهاً : أحدها : إن الأماكن الثلاثة وهي : الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور، أماكن كانت لثلاثة أنبياء ينفردون فيها للخلوة بربهم والخلاص من الخلق والخطاب مع الله، أما الطور فانتقل إليه موسى عليه السلام، والبيت محمد ﷺ، والبحر المسجور يونس عليه السلام، والكل خاطبوا الله هناك فقال موسى :﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِى مَن تَشَاء﴾ [ الأعراف : ١٥٥ ] وقال :﴿أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وأما محمد ﷺ فقال :" السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك " وأما يونس فقال :﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] فصارت الأماكن شريفة بهذه الأسباب، فحلف الله تعالى بها، وأما ذكر الكتاب فإن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن مع الله تعالى كلام والكلام في الكتاب واقترانه بالطور أدل على ذلك، لأن موسى عليه السلام كان له مكتوب ينزل عليه وهو بالطور، وأما ذكر السقف المرفوع ومعه البيت المعمور ليعلم عظمة شأن محمد ﷺ ثانيها : وهو أن القسم لما كان على وقوع العذاب وعلى أنه لا دافع له، وذلك لأن لا مهرب من عذاب الله لأن من يريد دفع العذاب عن نفسه، ففي بعض الأوقات يتحصن بمثل الجبال الشاهقة التي ليس لها طرف وهي متضايقة بين أنه لا ينفع التحصن بها من أمر الله تعالى كما قال ابن نوح عليه السلام
﴿سآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ [ هود : ٤٣ ] حكاية عن نوح عليه السلام.
المسألة الثالثة :