ما الحكمة في تنكير الكتاب وتعريف باقي الأشياء ؟ نقول ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير، فإذا بلغ الأمير الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته، ويريد الواصف وصفه بالعظمة، يقول : اليوم رأيت أميراً ما له نظير جالساً وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته، فيكون كقوله تعالى :﴿الحاقة * مَا الحاقة * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحاقة﴾ [ الحاقة : ١- ٣ ] فاللام وإن كانت معرفة لكن أخرجها عن المعرفة كون شدة هولها غير معروف، فكذلك ههنا الطور ليس في الشهرة بحيث يؤمن اللبس عند التنكير، وكذلك البيت المعمور، وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي ﷺ لفظ الكتاب إلا ذلك، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصداً للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير، وفي تلك الأشياء لما لم تحصل فائدة التعريف إلا بآلة التعريف استعملها، وهذا يؤيد كون المراد منه القرآن وكذلك اللوح المحفوظ مشهور.
المسألة الرابعة :
ما الفائدة في قوله تعالى :﴿فِى رَقّ مَّنْشُورٍ﴾ وعظمة الكتاب بلفظه ومعناه لا بخطه ورقه ؟ نقول هو إشارة إلى الوضوح، وذلك لأن الكتاب المطوي لا يعلم ما فيه فقال هو في رق منشور وليس كالكتب المطوية وعلى هذا المراد اللوح المحفوظ فمعناه هو منشور لكم لا يمنعكم أحد من مطالعته، وإن قلنا بأن المراد كتاب أعمال كل أحد فالتنكير لعدم المعرفة بعينه وفي رق منشور لبيان وصفه كما قال تعالى :﴿كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً﴾ [ الإسراء : ١٣ ] وذلك لأن غير المعروف إذا وصف كان إلى المعرفة أقرب شبهاً.
المسألة الخامسة :


الصفحة التالية
Icon