وفي حديث آخر :" فإن البحر نار في نار ". وقال قتادة :﴿ المسجور ﴾ المملوء. وهذا معروف في اللغة. ورجحه الطبري بوجود نار البحر كذلك، وإلى هذا يعود القول الأول لأن قولهم : سجرت التنور معناه : ملأتها بما يحترق ويتقد و: ﴿ البحر المسجور ﴾ المملوء ماء، وهكذا هو معرض للعبرة، ومن هذا قول النمر بن تولب :[ المتقارب ]
إذا شاء طالع مسجورة... ترى حولها النبع والسماسما
سقتها رواعد من صي... ف وإن من خريف فلن يعدما
يصف ثوراً أو عيناً مملوءة ماء، وقال ابن عباس : هو الذي ذهب ماؤه ف ﴿ المسجور ﴾ : الفارغ، ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة وقيل يوقد البحر ناراً يوم القيامة فذلك هو سجره. وقال ابن عباس أيضاً :﴿ المسجور ﴾ : المحبوس، ومنه ساجور الكلب : وهو القلادة من عود أو حديد التي تمسكه، وكذلك لولا أن البحر يمسك لفاض على الأرض. وقال علي بن أبي طالب أيضاً وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : البحر المقسم به هو في السماء تحت العرش، والجمهور على أنه بحر الدنيا، ويؤيد ذلك قوله تعالى :﴿ وإذا البحار سجرت ﴾ [ التكوير : ٦ ].
وقال منذر بن سعيد : إن المعنى هو القسم بجهنم وسماها بحراً لسعتها وتموجها كما قال ﷺ في الفرس :" وإن وجدناه لبحر " والقسم واقع على قوله :﴿ إن عذاب ربك لواقع ﴾ ويريد عذاب الآخرة للكفار. قال قتادة : والعامل في :﴿ يوم ﴾ " واقع " ويجوز أن يكون العامل فيه ﴿ دافع ﴾، والأول أبين. وقال مكي : لا يعمل فيه ﴿ دافع ﴾. و: ﴿ تمور ﴾ معناه : تذهب وتجيء بالرياح متقطعة متفتتة، والغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح، ثم هو كله إلى الذهاب، ومنه قول الأعرابي :
وغادرت التراب مورا... يصف سنة قحط. وأنشد معمر بن المثنى بيت الأعشى :[ البسيط ]


الصفحة التالية