أحدهما : أنه إذا رآه ثم غاب عنه اشتاق إلى استكمال خياله بالرؤية.
والثاني : أن يرى وجه محبوبه ولا يرى شعره، ولا سائر محاسنه، فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره قط، والوجهان جميعاً متصوران في حق الله تعالى، بل هما لازمان بالضرورة لكل العارفين، فإن الذي اتضح للعارفين من الأمور الإلهية وإن كان في غاية الوضوح، مشوب بشوائب الخيالات، فإن الخيالات لا تفتر في هذا العالم عن المحاكاة والتمثيلات، وهي مدركات للمعارف الروحانية، ولا يحصل تمام التجلي إلا في الآخرة، وهذا يقتضي حصول الشوق لا محالة في الدنيا فهذا أحد نوعي الشوق فيما اتضح اتضاحاً.
والثاني : أن الأمور الإلهية لا نهاية لها، وإنما ينكشف لكل عبد من العباد بعضها، وتبقى أمور لا نهاية لها غامضة، فإذا علم العارف أن ما غاب عن عقله أكثر مما حضر فإنه لا يزال يكون مشتاقاً إلى معرفتها، والشوق بالتفسير الأول ينتهي في دار الآخرة بالمعنى الذي يسمى رؤية ولقاء ومشاهدة، ولا يتصور أن يكون في الدنيا، وأما الشوق بالتفسير الثاني فيشبه أن لا يكون له نهاية، إذ نهايته أن ينكشف للعبد في الآخرة جلال الله وصفاته، وحكمته في أفعاله، وهي غير متناهية، والاطلاع على غير المتناهي على سبيل التفصيل محال، وقد عرفت حقيقة الشوق إلى الله تعالى.
واعلم أن ذلك الشوق لذيذ لأن العبد إذا كان في الترقي حصل بسبب تعاقب الوجدان، والحرمان، والوصول، والصد آلاماً مخلوطة بلذات، واللذات محفوفة بالحرمان والفقدان، كانت أقوى، فيشبه أن يكون هذا النوع من اللذات مما لا يحصل إلا للبشر، فإن الملائكة كمالاتهم حاضرة بالفعل، والبهائم لا تستعد لها.
أما البشر فهم المترددون بين جهتي السفالة والعلو.
المسألة الثالثة : في بيان أن الذين آمنوا هم أشد حباً لله، أما المتكلمون فقالوا : إن حبهم لله يكون من وجهين.