﴿حتى﴾ للغاية فيكون كأنه تعالى قال : ذرهم إلى ذلك اليوم ولا تكلمهم ثم ذلك اليوم تجدد الكلام وتقول ألم أقل لكم إن الساعة آتية وإن الحساب يقوم والعذاب يدوم فلا تكلمهم إلى ذلك اليوم ثم كلمهم لتعلمهم ثانيها : أن المراد من حتى الغاية التي يستعمل فيها اللام كما يقول القائل لا تطعمه حتى يموت أي ليموت، لأن اللام التي للغرض عندها ينتهي الفعل الذي للغرض فيوجد فيها معنى الغاية ومعنى التعليل ويجوز استعمال الكلمتين فيها ولعلّ المراد من قوله تعالى :﴿واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ [ الحجر : ٩٩ ] هذا أي إلى أن يأتيك اليقين، فإن قيل فمن لا يذره أيضاً يلاقي ذلك اليوم، نقول المراد من قوله ﴿يُصْعَقُونَ﴾ يهلكون فالمذكر المشفق لا يهلك ويكون مستثنى منهم كما قال تعالى :﴿فَصَعِقَ مَن فِى السموات وَمِنَ الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله﴾ [ الزمر : ٦٨ ] وقد ذكرنا هناك أن من اعترف بالحق وعلم أن يوم الحساب كائن فإذا وقعت الصيحة يكون كمن يعلم أن الرعد يرعد ويستعد لسماعه، ومن لا يعلم يكون كالغافل، فإذا وقعت الصيحة ارتجف الغافل ولم يرتجف العالم، وحينئذ يكون التوعد بملاقاة يومهم لأن كل أحد يلاقي يومه وإنما يكون بملاقاة يومهم الذي فيه يصعقون، أي اليوم الموصوف بهذه الصفة، وهذا كما قال تعالى :﴿لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بالعراء وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [ القلم : ٤٩ ] فإن المنفي ليس النبذ بالعراء لأنه تحقق بدليل قوله تعالى :﴿فنبذناه بالعراء وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [ الصافات : ١٤٥ ] وإنما المنفي النبذ الذي يكون معه مذموماً وهذا لم يوجد.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon