وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى :﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس﴾ [ طه : ١٣٠ ] ونشير إلى بعضه ههنا فإن طول العهد ينسي، فنقول لما قال تعالى :﴿فَذَرْهُمْ﴾ [ الطور : ٤٥ ] كان فيه الإشارة إلى أنه لم يبق في نصحهم نفع ولا سيما وقد تقدم قوله تعالى :﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ السماء﴾ [ الطور : ٤٤ ] وكان ذلك مما يحمل النبي ﷺ على الدعاء كما قال نوح عليه السلام ﴿رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾ [ نوح : ٢٦ ] وكما دعا يونس عليه السلام فقال تعالى :﴿واصبر﴾ وبدل اللعن بالتسبيح ﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ بدل قولك اللّهم أهلكهم ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كصاحب الحوت﴾ [ القلم : ٤٨ ] وقوله تعالى :﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ فيه وجوه الأول : أنه تعالى لما بيّن أنهم يكيدونه كان ذلك مما يقتضي في العرف المبادرة إلى إهلاكهم لئلا يتم كيدهم فقال : اصبر ولا تخف، فإنك محفوظ بأعيننا ثانيها : أنه تعالى قال فاصبر ولا تدع عليهم فإنك بمرأى منا نراك وهذه الحالة تقتضي أن تكون على أفضل ما يكون من الأحوال لكن كونك مسبحاً لنا أفضل من كونك داعياً على عباد خلقناهم، فاختر الأفضل فإنك بمرأى منا ثالثها : أن من يشكو حاله عند غيره يكون فيه إنباء عن عدم علم المشكو إليه بحال الشاكي فقال تعالى : اصبر ولا تشك حالك فإنك بأعيننا نراك فلا فائدة في شكواك، وفيه مسائل مختصة بهذا الموضع لا توجد في قوله ﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ [ طه : ١٣٠ ].
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon