في قوله تعالى :﴿فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين﴾ وهو يحتمل وجوهاً أحدها : إني معكم من المتربصين أتربص هلاككم وقد أهلكوا يوم بدر وفي غيره من الأيام هذا ما عليه الأكثرون والذي نقوله في هذا المقام هو أن الكلام يحتمل وجوهاً وبيانها هو أن قوله تعالى :﴿نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون﴾ إن كان المراد من المنون الموت فقوله ﴿إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين﴾ معناه إني أخاف الموت ولا أتمناه لا لنفسي ولا لأحد، لعدم علمي بما قدمت يداه وإنما أنا نذير وأنا أقول ما قال ربي ﴿أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم﴾ [ آل عمران : ١٤٤ ] فتربصوا موتي وأنا متربصه ولا يسركم ذلك لعدم حصول ما تتوقعون بعدي، ويحتمل أن يكون كما قيل تربصوا موتي فإني متربص موتكم بالعذاب، وإن قلنا المراد من ريب المنون صروف الدهر فمعناه إنكار كون صروف الدهر مؤثرة فكأنه يقول أنا من المتربصين حتى أبصر ماذا يأتي به دهركم الذي تجعلونه مهلكاً وماذا يصيبني منه، وعلى التقديرين فنقول النبي ﷺ يتربص ما يتربصون، غير أن في الأول : تربصه مع اعتقاد الوقوع، وفي الثاني : تربصه مع اعتقاد عدم التأثير، على طريقة من يقول أنا أيضاً أنتظر ما ينتظره حتى أرى ماذا يكون منكراً عليه وقوع ما يتوقع وقوعه، وإنما هذا لأن ترك المفعول في قوله ﴿إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين﴾ لكونه مذكوراً وهو ريب المنون أولى من تركه وإرادة غير المذكور وهو العذاب الثاني : أتربص صروف الدهر ليظهر عدم تأثيرها فهو لم يتربص بهم شيئاً على الوجهين، وعلى هذا الوجه يتربص بقاءه بعدهم وارتفاع كلمته فلم يتربص بهم شيئاً على الوجوه التي اخترناها فقال :﴿إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين ﴾.
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢)