فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)
ثم قال لبطلان جميع الأقسام ﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صادقين﴾ أي إن كان هو شاعراً ففيكم الشعراء البلغاء والكهنة الأذكياء ومن يرتجل الخطب والقصائر ويقص القصص ولا يختلف الناقص والزائد فليأتوا بمثل ما أتى به، والتقول يراد به الكذب.
وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن التفعل للتكلف وإراءة الشيء وهو ليس على ما يرى يقال تمرض فلان أي لم يكون مريضاً وأرى من نفسه المرض وحينئذ كأنهم كانوا يقولون كذب وليس بقول إنما هو تقول صورة القول وليس في الحقيقة به ليعلم أن المكذب هو الصادق، وقوله تعالى :﴿بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ بيان هذا أنهم كانوا في زمان نزول الوحي وحصول المعجزة كانوا يشاهدونها وكان ذلك يقتضي أن يشهدوا له عند غيرهم ويكونوا كالنجوم للمؤمنين كما كانت الصحابة رضي الله عنهم وهم لم يكونوا كذلك بل أقل من ذلك لم يكونوا أيضاً وهو أن يكونوا من آحاد المؤمنين الذين لم يشهدوا تلك الأمور ولم يظهر الأمر عندهم ذلك الظهور.
وقوله تعالى :﴿فَلْيَأْتُواْ﴾ الفاء للتعقيب أي إذا كان كذلك فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى به ليصحح كلامهم ويبطل كلامه وفيه مباحث :
الأول : قال بعض العلماء ﴿فَلْيَأْتُواْ﴾ أمر تعجيز بقول القائل لمن يدعي أمراً أو فعلاً ويكون غرضه إظهار عجزه، والظاهر أن الأمر ههنا مبقي على حقيقته لأنه لم يقل : ائتوا مطلقاً بل إنما قال : ائتوا إن كنتم صادقين، وعلى هذا التقدير ووجود ذلك الشرط يجب الإتيان به وأمر التعجيز في كلام الله تعالى قوله تعالى :﴿إِنَّ الله * يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذى كَفَرَ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] وليس هذا بحثاً يورث خللاً في كلامهم.