المسألة الثالثة :
ما المراد من قوله تعالى :﴿مِنْ غَيْرِ شَىْء﴾ نقول فيه وجوه المنقول منها أنهم خلقوا من غير خالق وقيل إنهم خلقوا لا لشيء عبثاً، وقيل إنهم خلقوا من غير أب وأم، ويحتمل أن يقال أم خلقوا من غير شيء، أي ألم يخلقوا من تراب أو من ماء، ودليله قوله تعالى :﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ] ويحتمل أن يقال الاستفهام الثاني ليس بمعنى النفي بل هو بمعنى الإثبات قال الله تعالى :﴿ءأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الخالقون﴾ [ الواقعة : ٥٩ ] و ﴿ءأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزرعون﴾ [ الواقعة : ٦٤ ] ﴿ءأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المنشئون﴾ [ الواقعة : ٧٢ ] كل ذلك في الأول منفي وفي الثاني مثبت كذلك ههنا قال الله تعالى :﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء﴾ أي الصادق هو هذا الثاني حينئذ، وهذا كما في قوله تعالى :﴿هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾
[ الإنسان : ١ ] فإن قيل كيف يكون ذلك الإثبات والآدمي خلق من تراب ؟ نقول والتراب خلق من غير شيء، فالإنسان إذا نظرت إلى خلقه وأسندت النظر إلى ابتداء أمره وجدته خلق من غير شيء، أو نقول المراد أم خلقوا من غير شيء مذكور أو معتبر وهو الماء المهين.
المسألة الرابعة :
ما الوجه في ذكر الأمور الثلاثة التي في الآية ؟ نقول هي أمور مرتبة كل واحد منها يمنع القول بالوحدانية والحشر فاستفهم بها، وقال أما خلقوا أصلاً، ولذلك ينكرون القول بالتوحيد لانتفاء الإيجاد وهو الخلق، وينكرون الحشر لانتفاء الخلق الأول أم خلقوا من غير شيء، أي أم يقولون بأنهم خلقوا لا لشيء فلا إعادة، كما قال :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً﴾ [ المؤمنون : ١١٥ ].


الصفحة التالية
Icon