وقد ثبت في ذلك المقام الذي تحار به العقول وتزل به الأقدام وتشخص فيه الابصار، ولهذا فقد وصفه ربه بالقوة والسكينة في ذلك المقام بقوله جل قوله "ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ١٧" أي ما جاوز بصره غير ما أمر بالنظر اليه وهو المعنى بقوله مقسما "لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ١٨" التي هي أكبر آية وأعظمها وأجلها وهي رؤية ذاته المقدسة التي لا يضاهيها آية وتصغر دونها كل آية قال الأبوصيري :
أرآى من الآيات أكبر آية ما زاغ حاشا أن يزيغ المبرأ
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما رآه بفؤاده وقال الحسن وأنس وعكرمة رآه بعينه حقيقة وسنذكر ما جاء في الأحاديث الواردة بالرؤية القلبية والعينية هنا وما جاء في حق جبريل أيضا، روي عن مسروق أنه قال قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد ربه ؟ فقالت لقد قفّ شعري (أي قام من الفزع مثل اقشعر جلدي واشمأزت نفسي عند سماع مالا ينبغي) مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت لا تدركه الأبصار الآية ١٠٢ من الانعام في ج ٢ وقرأت (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) الآية ٥٦ من سورة الشورى في ج ٢ أيضا، ومن
حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب وقرأت (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) الآية الأخرى من سورة لقمان ٢٤ ومن حدثك أنه كتم أمرا فقد كذب ثم قرأت (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية ٧٠ من المائدة في ج ٣ ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين أخرجاه في الصحيحين، وروى مسروق بن الأجدع قال قلت لعائشة فأين قوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ) إلخ قالت ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسدّ الأفق، أخرجاه في الصحيحين.