السموات والأرض وما فيهما، وتركه وراء ظهره، وفيه دلالة على أنه كان معتدل القوى لم تشغله حاسة عن حاسة حال تلقى ما ورد عليه من مقام الروح والقلب المشير اليه قوله (قابَ قَوْسَيْنِ) لذلك كان ثابتا في مقام تجلي الإله صارفا قواه العشرة لما يرد عليه من تلك الحضرة مستظلا بهيبته فلم يتخلف بصره عن بصيرته بل استقام معها حالة التجلي لئلا يتجاوز حده بالسبق لها كما أن البراق لم يتجاوز حافره غاية نظره صلّى اللّه عليه وسلم حالة السير به من مكة إلى البيت المقدس، وهذه غاية في الأدب ونهاية في التأدب قال تعالى "أَ فَرَأَيْتُمُ" أعلمتم "اللَّاتَ وَالْعُزَّى ١٩ وَمَناةَ" أسماء أصنام انتقوها من أسماء اللّه، الآله والعزيز والمنان وقيل انها في الأصل اللآت مأخوذة من لوى لأنهم يلوون عليها بعبادتهم وهي صنم من الحجارة يشبه الإنسان ولذلك قال بعضهم انه كان رجلا يلت السويق للحجاج وكان صنما لثقيف، والعزى تأنيث الأعز شجرة كانت لغطفان فقطعها خالد بن الوليد بأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم وقال عند قطعها مرتجزا.
يا عز كفرانك لا سبحانك اني رأيت اللّه قد أهانك
ومناة كانت صنما في مكة أو بقديد لخزاعة وهذيل وقيل لثقيف، وكانوا يستمطرون عندها تبركا بها، وقيل بيت بالمشلل تعبده بنو كعب وسميت مناة لأن دماء النسائك تمنى عندها، وهي عبارة عن صخرة يعظمونها فعاب اللّه عليهم ذلك على طريق الاستفهام توبيخا وتقريعا، أي أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها هل لها من القدرة والعظمة شيء وكانوا يسمونها والملائكة بنات اللّه ويزعمون أنها تشفع لهم مع ما هم عليه من وأد البنات واستحلال المحرمات والكفر ثم وصف مناة بقوله :
"الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ٢٠" المتأخرة أو أن في الكلام تقديما وتأخيرا أي أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة، ثمّ أنكر عليهم ما ينسبونه اليه تعالى عنه


الصفحة التالية
Icon