ومنه انخداع البصر بالتخيل الذي يحذقه المشعوذون، ومن هذا سحرة فرعون.
ومنه انخداع السمع لمن يدعى استخدام الجن ويسمع الناس أصواتا غريبة، أو يتكلمون في بطونهم.
فيظن الناس أنه صوت الجن، وقد انفضح كثير من أمثال هؤلاء بالاطلاع على حيلهم، فهذا كله لا يوثق
به، لأنهم لو كانوا صادقين لتنافس فيهم الملوك، ولما كانوا سائلين، راجع المجلد ٢ و٦ من المنار تجد ما تتبعته وتبتغيه.
واعلم أن الذين يخضعون لهؤلاء الدّجالين ويجهلون ما كشفه العلماء من حيلهم فيسلبون أموالهم، ويهتكون أعراضهم، لا سيما الذين يدعون أنها كرامات وهم مشهورون بالجهل واللهو، والذين يدعون معرفة علم الكيمياء من قلب الصفر ذهبا والرصاص فضة، وغير ذلك من هذه الترهات المنشورة في الغرب أكثر منها في الشرق، فيجب على أولي الأمر تنويرهم وتفهيمهم.
مطلب الكرامة ومصدرها والشعرى ومن يعبدها :
أما المشهورون بالصلاح والفقه والعلم فقد تظهر على أيديهم كرامات، لكن لا كسب لهم بها، كما ان المعجزات لا كسب للأنبياء بها، لأنها قد تكون عفوا من اللّه.
والقاعدة أن كل ما جاز أن يكون معجزة للنبي، جاز أن يكون كرامة للولي.
ولو كانت بكسب البشر لما خاف موسى من عصاه حينما تحولت حية، تأمل قوله تعالى "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى " الآية ١٧ من الأنفال في ج ٣، وقوله تعالى "قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا" الآية ٩٢ من الإسراء الآتية، وقوله جل قوله (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية ١٠٩ من الانعام في ج ٢، وقد أخبر عمر رضي اللّه رجل بأنه رأى رجلا يعلم الغيب فقال له : لا يعلم الغيب إلا اللّه.