ثم قال تعالى :﴿الذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم﴾ ( الذين ) يحتمل أن يكون بدلاً عن الذين أحسنوا وهو الظاهر، وكأنه تعالى قال ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أحسنوا، ويتبين به أن المحسن ليس ينفع الله بإحسانه شيئاً وهو الذي لا يسيء ولا يرتكب القبيح الذي هو سيئة في نفسه عند ربه فالذين أحسنوا هم الذين اجتنبوا ولهم الحسنى، وبهذا يتبين المسيء والمحسن لأن من لا يجتنب كبائر الإثم يكون مسيئاً والذي يجتنبها يكون محسناً، وعلى هذا ففيه لطيفة وهو أن المحسن لما كان هو من يجتنب الآثام فالذي يأتي بالنوافل يكون فوق المحسن، لكن الله تعالى وعد المحسن بالزيادة فالذي فوقه يكون له زيادات فوقها وهم الذين لهم جزاء الضعف، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام تقديره الذين يجتنبون كبائر الإثم يغفر الله لهم والذي يدل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّكَ واسع المغفرة﴾ وعلى هذا تكون هذه الآية مع ما قبلها مبينة لحال المسيء والمحسن وحال من لم يحسن ولم يسيء وهم الذين لم يرتكبوا سيئة وإن لم تصدر منهم الحسنات، وهم كالصبيان الذين لم يوجد فيهم شرائط التكليف ولهم الغفران وهو دون الحسنى، ويظهر هذا بقوله تعالى بعده :﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ﴾ أي يعلم الحالة التي لا إحسان فيها ولا إساءة، كما علم من أساء وضل ومن أحسن واهتدى، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :