ما المراد بالذي فيها ؟ نقول قوله تعالى :﴿أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى * وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى﴾ [ النجم : ٣٨، ٣٩ ] وما بعده من الأمور المذكورة على قراءة من قرأ أن بالفتح وعلى قراءة من يكسر ويقول :﴿وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى﴾ [ النجم : ٤٢ ] ففيه وجوه أحدها : هو ما ذكر بقوله :﴿أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى﴾ وهو الظاهر، وإنما احتمل غيره، لأن صحف موسى وإبراهيم ليس فيها هذا فقط، وليس هذا معظم المقصود بخلاف قراءة الفتح، فإن فيها تكون جميع الأصول على ما بين ثانيها : هو أن الآخرة خير من الأولى يدل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى * صُحُفِ إبراهيم وموسى﴾ [ الأعلى : ١٨، ١٩ ] ثالثها : أصول الدين كلها مذكورة في الكتب بأسرها، ولم يخل الله كتاباً عنها، ولهذا قال لنبيه ﷺ :﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] وليس المراد في الفروع، لأن فروع دينه مغايرة لفروع دينهم من غير شك.
المسألة الرابعة :
قدم موسى ههنا ولم يقل كما قال في ﴿سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى﴾ [ الأعلى : ١ ] فهل فيه فائدة ؟ نقول : مثل هذا في كلام الفصحاء لا يطلب له فائدة، بل التقديم والتأخير سواء في كلامهم فيصح أن يقتصر على هذا الجواب، ويمكن أن يقال : إن الذكر هناك لمجرد الإخبار والإنذار وههنا المقصود بيان انتفاء الأعذار، فذكر هناك على ترتيب الوجود صحف إبراهيم قبل صحف موسى في الإنزال، وأما ههنا فقد قلنا إن الكلام مع أهل الكتاب وهم اليهود فقدم كتابهم، وإن قلنا الخطاب عام فصحف موسى عليه السلام كانت كثيرة الوجود، فكأنه قيل لهم انظروا فيها تعلموا أن الرسالة حق، وأرسل من قبل موسى رسل والتوحيد صدق والحشر واقع فلما كانت صحف موسى عند اليهود كثيرة الوجود قدمها، وأما صحف إبراهيم فكانت بعيدة وكانت المواعظ التي فيها غير مشهورة فيما بينهم كصحف موسى فأخر ذكرها.


الصفحة التالية
Icon