المسألة الثالثة :
﴿ثُمَّ﴾ لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح ؟ نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى، وهي الجنة أو نقول الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى :﴿لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ [ يونس : ٢٦ ] وهي الجنة :﴿وَزِيَادَةٌ﴾ وهي الرؤية فكأنه تعالى قال وأن سعيه سوف يرى ثم يرزق الرؤية، وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ فإن الأوفى مطلق غير مبين فلم يقل : أوفى من كذا، فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى.
المسألة الرابعة :
في بيان لطائف في الآيات الأولى : قال في حق المسيء :﴿أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى﴾ وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن الوازرة وهذا لا يلزم منه بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ، لجواز أن يسقط عنها ويمحو الله ذلك الوزر فلا يبقى عليها ولا يتحمل عنها غيرها ولو قال : لا تزر وازرة إلا وزر نفسها كان من ضرورة الاستثناء أنها تزر، وقال في حق المحسن : ليس للإنسان إلا ما سعى، ولم يقل : ليس له ما لم يسع لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى، وفي العبارة الأولى أن له ما سعى، نظراً إلى الاستثناء، وقال : في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه، كل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٩ صـ ١٠ ـ ١٦﴾