ما الفائدة في قوله تعالى :﴿وَكَمْ مّن مَّلَكٍ﴾ بمعنى كثير من الملائكة مع أن كل من في السموات منهم لا يملك الشفاعة ؟ نقول المقصود الرد عليهم في قولهم هذه الأصنام تشفع، وذلك لا يحصل ببيان أن ملكاً من الملائكة لا تقبل شفاعته فاكتفى بذكر الكثيرة، ولم يقل ما منهم أحد يملك الشفاعة لأنه أقرب إلى المنازعة فيه من قوله كثير مع أن المقصود حاصل به، ثم ههنا بحث وهو أن في بعض الصور يستعمل صيغة العموم والمراد الكثير، وفي البعض يستعمل الكثير والمراد الكل وكلاهما على طريقة واحد، وهو استقلال الباقي وعدم الاعتداد، ففي قوله تعالى :﴿تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء﴾ [ الأحقاف : ٢٥ ] كأنه يجعل الخارج عن الحكم غير ملتفت إليه، وفي قوله تعالى :﴿وَكَمْ مّن مَّلَكٍ﴾ وقوله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [ النحل : ٧٥ ] وقوله ﴿أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾ [ سبأ : ٤١ ] يجعل المخرج غير ملتفت إليه فيجعل كأنه ما أخرجه كالأمر الخارج عن الحكم كأنه ما خرج، وذلك يختلف بختلاف المقصود من الكلام، فإن كان الكلام مذكوراً لأمر فيه يبالغ يستعمل الكل، مثاله يقال للملك كل الناس يدعون لك إذا كان الغرض بيان كثرة الدعاء له لا غير، وإن كان الكلام مذكوراً لأمر خارج عنه لا يبالغ فيه لأن المقصود غيره فلا يستعمل الكل، مثاله إذا قال الملك لمن قال له اغتنم دعائي كثير من الناس يدعون لي، إشارة إلى عدم احتياجه إلى دعائه لا لبيان كثرة الدعاء له، فكذلك ههنا.
المسألة الرابعة :