وفي المشار إليه بقوله :"ثُمَّ دنا" ثلاثة أقوال.
أحدها : أنه الله عز وجل.
روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث شريك بن أبي نَمِر عن أنس بن مالك قال : دنا الجبّار ربُّ العِزَّة فتدلَّى حتى كان منه قابَ قوسين أو أدنى.
وروى أبو سلمة عن ابن عباس :"ثم دنا" قال : دنا ربُّه فتدلَّى، وهذا اختيار مقاتل.
قال : دنا الرَّبُّ من محمد ليلةَ أُسْرِي به، ، فكان منه قابَ قوسين أو أدنى.
وقد كشفتُ هذا الوجه في كتاب "المُغْني" وبيَّنتُ أنه ليس كما يخطُر بالبال من قُرب الأجسام وقطع المسافة، لأن ذلك يختص بالأجسام، والله منزَّه عن ذلك.
والثاني : أنه محمد دنا من ربِّه، قاله ابن عباس، والقرظي.
والثالث : أنه جبريل.
ثم في الكلام قولان.
أحدهما : دنا جبريلُ بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فنزل إلى رسول الله ﷺ، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني : دنا جبريلُ من ربِّه عز وجل فكان منه قابَ قوسين أو أدنى، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ فكان قابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى ﴾ وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين :"فكان قاد قوسين" بالدال.
وقال أبو عبيدة : القابُ والقادُ : القَدْر.
وقال ابن فارس : القابُ : القدر.
ويقال : بل القابُ : ما بين المَقْبِض والسِّية، ولكل قوس قابان.
وقال ابن قتيبة : سِيَة القَوْس : ما عُطِفَ من طَرَفيْها.
وفي المراد بالقوسين قولان.
أحدهما : أنها القوس التي يُرمى بها، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة، فقال : قَدْر قوسين.
وقال الكسائي : أراد بالقوسين : قوساً واحداً.
والثاني : أن القوس : الذراع ؛ فالمعنى : كان بينهما قَدْر ذراعين، حكاه ابن قتيبة.
وهو قول ابن مسعود، وسعيد بن جبير، والسدي.
قال ابن مسعود : دنا جبريل منه حتى كان قَدْرَ ذراع أو ذراعين.
قوله تعالى :﴿ أو أدنى ﴾ فيه قولان.
أحدهما : أنها بمعنى "بل"، قاله مقاتل.