قوله :﴿ فأوحى ﴾ : أي اللَّهُ، وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ لعدم اللَّبْس. وقوله :" ما أَوْحى " أُبْهِم تعظيماً له ورَفْعاً مِنْ شأنِه، وبه استدلَّ جمال الدين ابن مالك على أنه لا يُشْتَرَطُ في الصلة أَنْ تكونَ معهودة عند المخاطبِ. ومثلُه ﴿ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ ﴾ [ طه : ٧٨ ]، إلاَّ أنَّ هذا الشرطَ هو المشهورُ عند النَّحْوِيين.
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)
قوله :﴿ مَا كَذَبَ ﴾ : قرأ هشامٌ بتشديدِ الدال. والباقون بتخفيفها. فأمَّا [ القراءةُ ] الأولى فإنَّ معناها أنَّ ما رآه محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم بعينِه صَدَّقه قلبُه، ولم يُنْكِرْه أي : لم يَقُلْ له : لم أَعْرِفْك و " ما " مفعولٌ به موصولةٌ، والعائدُ محذوفٌ. ففاعِلُ " رأى " ضميرٌ يعودُ على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وأمَّا قراءةُ التخفيفِ فقيل فيها كذلك. و " كذَبَ " يتعدى بنفسِه. وقيل : هو على إسقاطِ الخافضِ : أي : فيما رآه، قاله مكي وغيرُه. وجوَّز في " ما " وجهين، أحدُهما : أَنْ يكونَ بمعنى الذي. والثاني : أَنْ تكونَ مصدريةً، ويجوزُ أَنْ يكونَ فاعلُ " رأى " ضميراً يعودُ على الفؤادِ أي : لم يَشُكَّ قلبُه فيما رآه بعينِه.
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)
قوله :﴿ أَفَتُمَارُونَهُ ﴾ : قرأ الأخَوان " أَفَتَمْرُوْنَه " بفتح التاء وسكون الميمِ، والباقون " تُمارونه ". وعبد الله بن مسعود والشعبي " أَفَتُمْرُوْنَه " بضمِّ التاءِ وسكون الميم. فأمَّا الأولى ففيها وجهان، أحدهما : أنها مِنْ مَرَيْتُه حَقَّهُ إذا غَلَبْتَه وجَحَدْتَه إياه. وعُدِّي ب " على " لتضمُّنِه معنى الغَلَبة. وأُنشِد :
٤١٢٨ لَئِن هَجَرْتَ أخا صدقٍ ومَكْرُمَةٍ | لقد مَرَيْتَ أخاً ما كان يَمْرِيكا |