وهو يذعن وهو في قبضته فيذكر تلك المعاني بين ذلك الجمع، فيصير كلما ذكر له نوعاً منها بحضرتهم، قال له : هل ظهر لك هذا؟ فيقول ذاك المنكر : نعم ظهر لي، فلا يريد ذلك إلا غضباً لما تقدم له من عظيم غضبه ولدده فيذكر له معنى آخر ثم يقول : هل ظهر لك هذا؟ فيقول : نعم والله لا يعرج على اعترافه ذلك ويذكر له نوعاً آخر، ويقول مثل ذلك يريد الزيادة في تبكيته وتخجيله، وهكذا إلى أن يشتفي - كل ذلك للتنبيه على لدده وكفاية كل نوع منها لما أريد منه من البيان، وقال في الكشاف : فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين أدكاراً واتعاظاً وأن يستأنفوا تنبهاً واستيقاظاً إذا سمعوا الحث عليه والبعث على ذلك كله وأن يقرع لهم العصى مرات ويقعقع لهم السن تارات، لئلا يغلبهم السهود ويستولي عليهم حكم الغفلة، وهكذا حكم التكريرات لتكون العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في أوان - انتهى، ولمثل ما مضى أو قريب منه كرر التهويل بالعذاب ست مرات : أربع منها ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ واثنان منها ﴿فذوقوا عذابي ونذر﴾ فهما بمنزلة واحدة من الأربع ليرجع الست إلى الخمس الدال عليها ﴿مدكر﴾ إشارة إلى أن الحواس الخمس كما ضربت في الجهات الست لأجل النعم التي هي جلب المصالح ضربت فيها للتذكير بدفع النقم الذي هو درأ المفاسد والتحذير منها، ومن فوائد تكرر الست الراجعة إلى الخمس مرتين : مرة لجلب النعم وأخرى لدفع النقم أن الحواس مكررة ظاهراً وباطناً، فمن ذل لسانه بالقرآن ظاهراً صحت حواسه الظاهرة ونورت له الباطنة، ومن أبى عذب بسبب الباطنة فتفسد الظاهرة، واختير للموعظتين عدد الست مع إرادة جماعة إلى خمسة لأن الست عدد تام وذلك لأن عدد كسورها إذا جمعت سادتها ولم تزد عنها ولم تنقص وهي النصف والثلث والسدس، وهذا العدد مساو لدعائم الإسلام الخمس وحظيرته الجهاد التي هي عماد تقوى المتقين أهل مقعد الصدق الذين يؤمنون