مجرد التعريف بأنهم ذكروا فكذبوا فأخذوا ليتبين لهؤلاء أن لا فرق بينهم وبين غيرهم وأن لا يغرهم عظيم حلمه سبحانه عنهم، فهذه السورة إعذار عند تبكيتهم وانقطاع حجتهم بما تقدم وبعد أن انتهى الأمر في وعظهم وتنبيههم بكل آية إلى غاية يعجز عنها البشر، ولهذا افتتح سبحانه هذه السورة بقوله تعالى :﴿ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر﴾ وختمها سبحانه بقوله :﴿أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر﴾ وهذا يبين ما قدمنا، وكان قد قيل لهم : أي فرق بينكم وبين من تقدم حتى ترتكبوا مرتكبهم وتظنوا أنكم ستفوزون بعظيم جزائكم، فذكر سبحانه لهم قصة كل أمة وهلاكها عند تكذيبها بأعظم إيجاز وأجزل إيراد وأفخم عبارة وألطف إشارة، فبدأ بقصة قوم نوح بقوله :﴿كذبت قوم نوح﴾ إلى قوله :﴿ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر﴾ ثم استمر في ذكر الأمم مع أنبيائهم حسبنا ذكروا في السورة الوارد فيها إخبارهم من ذكر أمة بعد أمة إلا أن الواقع هنا من قصصهم أوقع في الزجر وأبلغ في الوعظ وأعرق في الإفصاح بسوء منقلبهم وعاقبة تكذيبهم، ثم ختمت كل قصة بقوله :﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ وتخلل هذه القصص بقوله تعالى :﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر﴾ وهي إشارة إلى ارتفاع عذر من تعلق باستصعاب الأمور على زواجره وتنبيهاته ومواعظه ويدعي بعد ذلك واستعلاقه فقيل له إنه ميسر قريب المرام، وهذا فيما يحصل عند التنبيه والتذكير لما عنده بكون الاستجابة بإذن الله تعالى ووراء ذلك من المشكل والمتشابه ما لا يتوقف عليه ما ذكره وحسب عموم المؤمنين الإيمان بجميعه والعمل بمحكمه، ثم يفتح الله تعالى فهم ذلك على من شرفه به وأعلى درجته، فيتبين بحسب ما يشرح الله تعالى صدره ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ ومن تيسر المقصود المتقدم تكرار قصص الأنبياء مع أممهم في عدة سور أيّ حفظ مها اطلع على ما هو