لم يقل كذبوا هوداً كما قال :﴿فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا﴾ [ القمر : ٩ ] وذلك لوجهين أحدهما : أن تكذيب نوح كان أبلغ وأشد حيث دعاهم قريباً من ألف سنة وأصروا على التكذيب، ولهذا ذكر الله تعالى تكذيب نوح في مواضع ولم يذكر تكذيب غير نوح صريحاً وإن نبه عليه ( في ) واحد منها في الأعراف قال :﴿فأنجيناه والذين مَعَهُ فِي الفلك﴾ [ الأعراف : ٦٤ ] وقال حكاية عن نوح :﴿قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ﴾ [ الشعراء : ١١٧ ] وقال :﴿إِنَّهُمْ عصونى﴾ [ نوح : ٢١ ] وفي هذه المواضع لم يصرح بتكذيب قوم غيره منهم إلا قليلاً ولذلك قال تعالى في مواضع ذكر شعيب فكذبوه : وقال ﴿الذين كَذَّبُواْ شُعَيْبًا﴾ [ الأعراف : ٩٢ ] وقال تعالى عن قومه :﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين﴾ [ الأعراف : ٦٦ ] لأنه دعا قومه زماناً مديداً وثانيهما : أن حكاية عاد مذكورة ههنا على سبيل الاختصار فلم يذكر إلا تكذيبهم وتعذيبهم فقال :﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ كما قال :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ ولم يذكر دعاءه عليهم وإجابته كما قال في نوح.
المسألة الثالثة :
قال تعالى :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ قبل أن بين العذاب وفي حكاية نوح بين العذاب، ثم قال :﴿فَكَيْفَ كَانَ﴾ فما الحكمة فيه ؟ نقول : الاستفهام الذي ذكره في حكاية نوح مذكور ههنا، وهو قوله تعالى :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ كما قال من قبل ومن بعد في حكاية ثمود غير أنه تعالى حكى في حكاية عاد ﴿فَكَيْفَ كَانَ﴾ مرتين، المرة الأولى استفهم ليبين كما يقول المعلم لمن لا يعرف كيف المسألة الفلانية ليصير المسئول سائلاً، فيقول : كيف هي فيقول إنها كذا وكذا فكذلك ههنا قال :﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى﴾ فقال السامع : بين أنت فإني لا أعلم فقال :


الصفحة التالية
Icon