﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا﴾ [ القمر : ١٩ ] وأما المرة الثانية فاستفهم للتعظيم كما يقول القائل للعارف المشاهد كيف فعلت وصنعت فيقول : نعم ما فعلت ويقول : أتيت بعجيبة فيحقق عظمة الفعل بالاستفهام، وإنما ذكر ههنا المرة الأولى ولم يذكر في موضع آخر لأن الحكاية ذكرها مختصرة فكان يفوت الاعتبار بسبب الاختصار فقال :﴿كَيْفَ كَانَ عَذَابِى﴾ حثاً على التدبر والتفكر، وأما الاختصار في حكايتهم فلأن أكثر أمرهم الاستكبار والاعتماد على القوة وعدم الالتفات إلى قول النبي ﷺ، ويدل على قوله تعالى :﴿فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [ فصلت : ١٥ ] وذكر استكبارهم كثيراً، وما كان قوم محمد ﷺ مبالغين في الاستكبار وإنما كانت مبالغتهم في التكذيب ونسبته إلى الجنون، وذكر حالة نوح على التفصيل فإن قومه جمعوا بين التكذيب والاستكبار، وكذلك حال صالح عليه السلام ذكرها على التفصيل لشدة مناسبتها بحال محمد صلى الله عليه وسلم.
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال تعالى :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى﴾ [ القمر : ١٨ ] بتوحيد الضمير هناك ولم يقل عذابنا، وقال : ههنا ﴿أَنَاْ﴾، ولم يقل إني، والجواب ما ذكرناه في قوله تعالى :﴿فَفَتَحْنَا أبواب السماء﴾ [ القمر : ١١ ].
المسألة الثانية :
الصرصر فيها وجوه أحدها : الريح الشديدة الصوت من الصرير والصرة شدة الصياح ثانيها : دائمة الهبوب من أصر على الشيء إذا دام وثبت، وفيه بحث وهو أن الأسماء المشتقة هي التي تصلح لأن يوصف بها، وأما أسماء الأجناس فلا يوصف بها سواء كانت أجراماً أو معاني، فلا يقال : إنسان رجل جاء ولا يقال : لون أبيض وإنما يقال : إنسان عالم وجسم أبيض.