إذا كان بشراً منصوباً بفعل، فما الحكمة في تأخر الفعل في الظاهر ؟ نقول : قد تقدم مراراً أن البليغ يقدم في الكلام ما يكون تعلق غرضه به أكثر وهم كانوا يريدون تبيين كونهم محقين في ترك الاتباع فلو قالوا : أنتبع بشراً يمكن أن يقال نعم اتبعوه وماذا يمنعكم من اتباعه، فإذا قدموا حاله وقالوا هو نوعنا بشر ومن صنفنا رجل ليس غريباً نعتقد فيه أنه يعلم ما لا نعلم أو يقدر مالا نقدر وهو واحد وحيد وليس له جند وحشم وخيل وخدم فكيف نتبعه، فيكونون قد قدموا الموجب لجواز الامتناع من الاتباع، واعلم أن في هذه الآية إشارات إلى ذلك أحدها : نكروه حيث قالوا ﴿أَبَشَراً﴾ ولم يقولوا : أنتبع صالحاً أو الرجل المدعي النبوة أو غير ذلك من المعرفات والتنكير تحقير ثانيها : قالوا أبشراً ولم يقولوا أرجلاً ثالثها : قالوا ﴿مِنَّا﴾ وهو يحمل أمرين أحدهما من صنفنا ليس غريباً، وثانيهما ﴿مِنَّا﴾ أي تبعنا يقول القائل لغيره أنت منا فيتأذى السامع ويقول : لا بل أنت منا ولست أنا منكم، وتحقيقه أن من للتبعيض والبعض يتبع الكل لا الكل يتبع البعض رابعها :﴿واحدا﴾ يحتمل أمرين أيضاً أحدهما : وحيداً إلى ضعفه وثانيهما : واحداً أي هو من الآحاد لا من الأكابر المشهورين، وتحقيق القول في استعمال الآحاد في الأصاغر حيث يقال : هو من آحاد الناس هو أن من لا يكون مشهوداً بحسب ولا نسب إذا حدث عنه من لا يعرفه فلا يمكن أن يقول عنه قال فلان أو ابن فلان فيقول قال واحد وفعل واحد فيكون ذلك غاية الخمول، لأن الأرذل لا ينضم إليه أحد فيبقى في أكثر أوقاته واحداً فيقال : للأرذال آحاد.