وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ﴾
أي هوداً عليهِ السَّلامُ ولم يتعرضْ لكيفيةِ تكذيبِهم له رَوْماً للاختصارِ ومُسارعةً إلى بيانِ ما فيه الازدجارُ من العذابِ. وقولُه تعالَى :﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ لتوجيهِ قلوبِ السامعينَ نحوَ الاصغاءِ إلى ما يُلقى إليهم قبلَ ذكرِه لا لتهويلِه وتعظيمِه وتعجيبِهم من حالةِ بعدَ بيانِه كما قبلَه وما بعدَهُ كأنَّه قيلَ كذبتْ عادٌ فهل سمعتُم أو فاسمعُوا كيفَ كانَ عذابِي وإنذاراتِي لهم. وقولُه تعالَى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ﴾ استئنافٌ ببيانِ ما أُجملَ أولاً أيْ أرسلنَا عليهم ريحاً باردةً أو شديدةَ الصوتِ ﴿ فِى يَوْمِ نَحْسٍ ﴾ شؤمٍ ﴿ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ أي شؤمُه أو مستمرٌّ عليهم إلى أنْ أهلكهُم أو شاملٌ لجميعِهم كبيرِهم وصغيرِهم أو مشتدٌّ مراراتُه، وكانَ يومَ الأربعاءِ آخرَ الشهرِ.
﴿ تَنزِعُ الناس ﴾ تقلعُهم رُويَ أنَّهم دخلُوا الشعابَ والحفرَ وتمسَّكَ بعضُهم ببعضٍ فنزعتُهم الريحُ وصرعتُهم مَوْتى ﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾ أي منقلعٍ عن مغارسِه قيل : شُبهوا بأعجازِ النخلِ وهيَ أصولُها بلا فروعٍ لأنَّ الريحَ كانتْ تقلعُ رؤوسَهُم فتُبقِي أجساداً وجثثاً بلا رؤوسٍ، وتذكيرُ صفةِ نخلٍ للنظرِ إلى اللفظِ كما أنَّ تأنيثَها في قولِه تعالى :﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ للنظرِ إِلى المَعْنى. وقولُه تعالَى ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ تهويلٌ لهما وتعجيبٌ من أمرِهما بعد بيانِهما فليسَ فيه شائبةُ تكرارٍ وما قيلَ من أنَّ الأولَ لِما حاقَ بهم في الدُّنيا والثانِي لما يحيقُ بهم في الآخرةِ يردُّه ترتيبُ الثَّانِي على العذابِ الدنيويِّ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ الكلامُ فيهِ كالذي مرَّ فيما سبقَ.


الصفحة التالية
Icon