قال ههنا :﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ وقال في ياس :﴿وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ﴾ [ ياس : ٦٦ ] فما الفرق ؟ نقول : هذا مما يؤيد قول ابن عباس فإنه نقل عنه أنه قال : المراد من الطمس الحجب عن الإدراك فما جعل على بصرهم شيء غير أنهم دخلوا ولم يروا هناك شيئاً فكانوا كالمطموسين، وفي ياس أراد أنه لو شاء لجعل على بصرهم غشاوة، أي ألزق أحد الجفنين بالآخر فيكون على العين جلدة فيكون قد طمس عليها، وقال غيره : إنهم عموا وصارت عينهم مع وجههم كالصفحة الواحدة، ويؤيده قوله تعالى :﴿فَذُوقُواْ عَذَابِى﴾ لأنهم إن بقوا مصرين ولم يروا شيئاً هناك لا يكون ذلك عذاباً والطمس بالمعنى الذي قاله غير ابن عباس عذاب، فنقول : الأولى أن يقال : إنه تعالى حكى ههنا ما وقع وهو طمس العين وإذهاب ضوئها وصورتها بالكلية حتى صارت وجوههم كالصفحة الملساء ولم يمكنهم الإنكار لأنه أمر وقع، وأما هناك فقد خوفهم بالممكن المقدور عليه فاختار ما يصدقه كل أحد ويعرف به وهو الطمس على العين، لأن إطباق الجفن على العين أمر كثير الوقوع وهو بقدرة الله تعالى وإرادته فقال :
﴿وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ﴾ [ ياس : ٦٦ ] وما شققنا جفنهم عن عينهم وهو أمر ظاهر الإمكان كثير الوقوع والطمس على ما وقع لقوم لوط نادر، فقال : هناك على أعينهم ليكون أقرب إلى القبول.
المسألة الثالثة :