الصبح إلى ما بعد الإسفار، فإذا قال :﴿بُكْرَةً﴾ أفاد أنه كان أول جزء منه، وما أخر إلى الإسفار، وهذا أوجه وأليق، لأن الله تعالى أوعدهم به وقت الصبح، بقوله :﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح﴾ [ هود : ٨١ ] وكان من الواجب بحكم الإخبار تحققه بمجيء العذاب في أول الصبح، ومجرد قراءة :﴿صَبَّحَهُم﴾ ما كان يفيد ذلك، وهذا أقوى لأنك تقول : صبيحة أمس بكرة واليوم بكرة، فيأتي فيه ما ذكرنا من أن المراد بكرة من البكر الوجه الثاني : أنها منصوبة على المصدر من باب ضربته سوطاً ضرباً فإن المنصوب في ضربته ضرباً على المصدر، وقد يكون غير المصدر كما في ضربته سوطاً ضرباً، لا يقال : ضرباً سوطاً بين أحد أنواع الضرب، لأن الضرب قد يكون بسوط وقد يكون بغيره، وأما :﴿بُكْرَةً﴾ فلا يبين ذلك، لأنا نقول : قد بينا أن بكرة بين ذلك، لأن الصبح قد يكون بالإتيان وقت الإسفار، وقد يكون بالإتيان بالأبكار، فإن قيل : مثله يمكن أن يقال : في ﴿أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ قلنا : نعم، فإن قيل : ليس هناك بيان نوع من أنواع الإسراء، نقول : هو كقول القائل : ضربته شيئاً، فإن شيئاً لا بد منه في كل ضرب، ويصح ذلك على أنه نصب على المصدر، وفائدته ما ذكرنا من بيان عدم تعلق الغرض بأنواعه، وكأن القائل يقول : إني لا أبين ما ضربته به، ولا أحتاج إلى بيانه لعدم تعلق المقصود به ليقطع سؤال السائل : بماذا ضربه بسوط أو بعصا، فكذلك القول في :﴿أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ يقطع سؤال السائل عن الإسراء، لأن الإسراء هو السير أول الليل، والسرى هو السير آخر الليل أو غير ذلك.
المسألة الثانية :